[الفتح : ٢٩]. وقد كان هذا المسلك السياسي خفيّا حتّى كأنه ممّا استأثر الله به ، وفي الترمذي ، عن الأعمش : أنّهم في يوم بدر سبقوا إلى الغنائم قبل أن تحلّ لهم ، وهذا قول غريب فقد ثبت أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم استشارهم ، وهو في الصحيح.
وقرأ الجمهور (أَنْ يَكُونَ لَهُ) ـ بتحتية ـ على أسلوب التذكير. وقرأه أبو عمرو ، ويعقوب ، وأبو جعفر ـ بمثناة فوقية ـ على صيغة التأنيث ، لأنّ ضمير جمع التكسير يجوز تأنيثه بتأويل الجماعة.
والخطاب في قوله : (تُرِيدُونَ) للفريق الذين أشاروا بأخذ الفداء وفيه إشارة إلى أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام غير معاتب لأنّه إنّما أخذ برأي الجمهور وجملة : (تُرِيدُونَ) إلى آخرها واقعة موقع العلّة للنهي الذي تضمّنته آية ما كان لنبي فلذلك فصلت ، لأنّ العلّة بمنزلة الجملة المبيّنة.
و (عَرَضَ الدُّنْيا) هو المال ، وإنّما سمّي عرضا لأنّ الانتفاع به قليل اللبث ، فأشبه الشيء العارض إذ العروض مرور الشيء وعدم مكثه لأنه يعرض للماشين بدون تهيّؤ. والمراد عرض الدنيا المحض وهو أخذ المال لمجرد التمتع به.
والإرادة هنا بمعنى المحبّة ، أي : تحبون منافع الدنيا والله يحبّ ثواب الآخرة ، ومعنى محبّة الله إيّاها محبّته ذلك للناس ، أي يحبّ لكم ثواب الآخرة ، فعلّق فعل الإرادة بذات الآخرة ، والمقصود نفعها بقرينة قوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) فهو حذف مضاف للإيجاز ، وممّا يحسنه أنّ الآخرة المرادة للمؤمن لا يخالط نفعها ضرّ ولا مشقّة ، بخلاف نفع الدنيا.
وإنما ذكر مع (الدُّنْيا) المضاف ولم يحذف : لأنّ في ذكره إشعارا بعروضه وسرعة زواله.
وإنّما أحبّ الله نفع الآخرة : لأنّه نفع خالد ، ولأنّه أثر الأعمال النافعة للدين الحقّ ، وصلاح الفرد والجماعة.
وقد نصب الله على نفع الآخرة أمارات ، هي أمارات أمره ونهيه ، فكلّ عرض من أعراض الدنيا ليس فيه حظّ من نفع الآخرة ، فهو غير محبوب لله تعالى ، وكلّ عرض من الدنيا فيه نفع من الآخرة ففيه محبّة من الله تعالى ، وهذا الفداء الذي أحبّوه لم يكن يحفّ به من الأمارات ما يدلّ على أنّ الله لا يحبّه ، ولذلك تعيّن أنّ عتاب المسلمين على