إسرائيل ، وهو في الإصحاح عشرين من سفر التثنية (١).
ومثل هذا النفي في القرآن قد يجيء بمعنى النهي نحو (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٥٣]. وقد يجيء بمعنى أنه لا يصلح ، كما هنا ، لأن هذا الكلام جاء تمهيدا للعتاب فتعيّن أن يكون مرادا منه ما لا يصلح من حيث الرأي والسياسة.
ومعنى هذا الكون المنفي بقوله : ما كان لنبي أن يكون له أسرى هو بقاؤهم في الأسر، أي بقاؤهم أرقّاء أو بقاء أعواضهم وهو الفداء. وليس المراد أنّه لا يصلح أن تقع في يد النبي أسرى ، لأنّ أخذ الأسرى من شئون الحرب ، وهو من شئون الغلب ، إذا استسلم المقاتلون ، فلا يعقل أحد نفيه عن النبي ، فتعيّن أنّ المراد نفي أثره ، وإذا نفي أثر الأسر صدق بأحد أمرين : وهما المنّ عليهم بإطلاقهم ، أو قتلهم ، ولا يصلح المنّ هنا ، لأنّه ينافي الغاية وهي حتى يثخن في الأرض ، فتعيّن أنّ المقصود قتل الأسرى الحاصلين في يده ، أي أنّ ذلك الأجدر به حين ضعف المؤمنين ، خضدا لشوكة أهل العناد ، وقد صار حكم هذه الآية تشريعا للنبي صلىاللهعليهوسلم فيمن يأسرهم في غزواته.
والإثخان الشدة والغلظة في الأذى. يقال أثخنته الجراحة وأثخنه المرض إذا ثقل عليه ، وقد شاع إطلاقه على شدّة الجراحة على الجريح. وقد حمله بعض المفسّرين في هذه الآية على معنى الشدّة والقوة. فالمعنى : حتى يتمكّن في الأرض ، أي يتمكّن سلطانه وأمره.
وقوله : (فِي الْأَرْضِ) على هذا جار على حقيقة المعنى من الظرفية ، أي يتمكّن في الدنيا. وحمله في «الكشّاف» على معنى إثخان الجراحة ، فيكون جريا على طريقة التمثيل بتشبيه حال الرسول صلىاللهعليهوسلم المقاتل الذي يجرح قرنه جراحا قوية تثخنه ، أي حتّى يثخن أعداءه فتصير له الغلبة عليهم في معظم المواقع ، ويكون قوله : (فِي الْأَرْضِ) قرينة التمثيلية.
والكلام عتاب للذين أشاروا باختيار الفداء والميل إليه ، وغضّ النظر عن الأخذ بالحزم في قطع دابر صناديد المشركين ، فإنّ في هلاكهم خضدا لشوكة قومهم فهذا ترجيح للمقتضى السياسي العرضي على المقتضى الذي بني عليه الإسلام وهو التيسير والرفق في شئون المسلمين بعضهم مع بعض كما قال تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)
__________________
(١) في الفقرة ١٣ منه «وإذا دفعها (الضمير عائد إلى مدينة) الرب إلهك إلى يدك جميع ذكورها بالسيف.