أنّه لم يوح الله إليه بشيء في ذلك ، وأنّ الله أوكل ذلك إلى اجتهاد رسوله عليه الصلاة والسلام فرأى أنّ يستشير الناس ثم رجّح أحد الرأيين باجتهاد ، وقد أصاب الاجتهاد ، فإنّهم قد أسلم منهم ، حينئذ ، سهيل بن بيضاء ، وأسلم من بعد العباس وغيره ، وقد خفي على النبي صلىاللهعليهوسلم شيء لم يعلمه إلّا الله وهو إضمار بعضهم ـ بعد الرجوع إلى قومهم ـ أن يتأهّبوا لقتال المسلمين من بعد.
وربّما كانوا يضمرون اللحاق بفل المشركين من موضع قريب ويعودون إلى القتال فينقلب انتصار المسلمين هزيمة كما كان يوم أحد ، فلأجل هذا جاء قوله تعالى : ما كان لنبي (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ). قال ابن العربي في «العارضة» : روى عبيدة السلماني عن علي أنّ جبريل أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر فخيّره بين أن يقرّب الأسارى فيضرب أعناقهم أو يقبلوا منهم الفداء ، ويقتل منكم في العام المقبل بعدّتهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا جبريل يخيّركم أن تقدّموا الأسارى وتضربوا أعناقهم أو تقبلوا منهم الفداء ويستشهد منكم في العام المقبل بعدتهم» ، فقالوا : يا رسول الله نأخذ الفداء فنقوى على عدوّنا ويقتل منّا في العام المقبل بعدّتهم ، ففعلوا.
والمعنى أنّ النبي إذا قاتل فقتاله متمحّض لغاية واحدة ، هي نصر الدين ودفع عدائه ، وليس قتاله للملك والسلطان فإذا كان أتباع الدين في قلّة كان قتل الأسرى تقليلا لعدد أعداء الدين حتّى إذا انتشر الدين وكثر أتباعه صلح الفداء لنفع أتباعه بالمال ، وانتفاء خشية عود العدوّ إلى القوة. فهذا وجه تقييد هذا الحكم بقوله : ما كان لنبي.
والكلام موجّه للمسلمين الذين أشاروا بالفداء ، وليس موجّها للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنّه ما فعل إلّا ما أمره الله به من مشاورة أصحابه في قوله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران: ١٥٩] لا سيما على ما رواه الترمذي من أنّ جبريل بلّغ إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أن يخيّر أصحابه ويدلّ لذلك قوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) فإنّ الذين أرادوا عرض الدنيا هم الذين أشاروا بالفداء ، وليس لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك حظّ.
فمعنى ما كان لنبي أن يكون له أسرى نفي اتّخاذ الأسرى عن استحقاق نبي لذلك الكون.
وجيء ب (نبيء) نكرة إشارة إلى أنّ هذا حكم سابق في حروب الأنبياء في بني