والهلع ثباتا ، في جانب المؤمنين ، ويجعل العزة رعبا في قلوب المشركين ، ويقطع أعناقهم وأيديهم بدون سبب من أسباب القطع المعتادة فكانت الأعمال التي عهد للملائكة عملها خوارق عادات.
والتثبيت هنا مجاز في إزالة الاضطراب النفساني مما ينشأ عن الخوف ومن عدم استقرار الرأي واطمئنانه.
وعرف المثبتون بالموصول لما تومئ إليه صلة (آمَنُوا) من كون إيمانهم هو الباعث على هذه العناية ، فتكون الملائكة بعناية المؤمنين لأجل وصف الإيمان.
وتثبيت المؤمنين إيقاع ظن في نفوسهم بأنهم منصورون ويسمى ذلك إلهاما وتثبيتا ، لأنه إرشاد إلى ما يطابق الواقع ، وإزالة للاضطراب الشيطاني ، وإنما يكون خيرا إذا كان جاريا على ما يحبه الله تعالى بحيث لا يكون خاطرا كاذبا ، وإلّا صار غرورا ، فتشجيع الخائف حيث يريد الله منه الشجاعة خاطر ملكي وتشجيعه حيث ينبغي أن يتوقى ويخاف خاطر شيطاني ووسوسة ، لأنه تضليل عن الواقع وتخذيل.
ولم يسند إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا إلى الملائكة بل أسنده الله إلى نفسه وحده بقوله : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) لأن أولئك الملائكة المخاطبين كانوا ملائكة نصر وتأييد فلا يليق بقواهم إلقاء الرعب ، لأن الرعب خاطر شيطاني ذميم ، فجعله الله في قلوب الذين كفروا بواسطة أخرى غير الملائكة.
وأسند إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا إلى الله على طريقة الإجمال دون بيان لكيفية إلقائه ، وكل ما يقع في العالم هو من تقدير الله على حسب إرادته ، وأشار ذلك إلى أنه رعب شديد قدره الله على كيفية خارقة للعادة ، فإن خوارق العادات قد تصدر من القوى الشيطانية بإذن الله وهو ما يسمى في اصطلاح المتكلمين بالإهانة وبالاستدراج ، ولا حاجة إلى قصد تحقير الشيطان بإلقاء الرعب في قلوب المشركين كما قصد تشريف الملائكة ، لأن إلقاء الرعب في قلوب المشركين يعود بالفائدة على المسلمين ، فهو مبارك أيضا ، وإنما كان إلقاء الرعب في قلوب المشركين خارق عادة ، لأن أسباب ضده قائمة ، وهي وفرة عددهم وعددهم وإقدامهم على الخروج إلى المسلمين ، وحرصهم على حماية أموالهم التي جاءت بها العير.
فجملة : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا) مستأنفة استئنافا ابتدائيا إخبارا لهم بما