يقتضي التخفيف عليهم في العمل الذي كلفهم الله به بأن الله كفاهم تخذيل الكافرين بعمل آخر غير الذي كلف الملائكة بعمله ، فليست جملة (سَأُلْقِي) مفسرة لمعنى (أَنِّي مَعَكُمْ).
ولم يقل سنلقي لئلا يتوهم أن للملائكة المخاطبين سببا في إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا كما علمت آنفا.
وتفريع (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) على جملة : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) المفرعة هنا أيضا على جملة : (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) في المعنى ، يؤذن بما اقتضته جملة (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) من تخفيف عمل الملائكة عليهم بعض التخفيف الذي دل عليه إجمالا قوله : (أَنِّي مَعَكُمْ) كما تقدم (فَوْقَ الْأَعْناقِ) على الظرفية لا ضربوا.
و (الْأَعْناقِ) أعناق المشركين وهو بيّن من السياق ، واللام فيه والمراد بعض الجنس بالقرينة للجنس أو عوض عن المضاف إليه بقرينة قوله بعد : (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ).
والبنان اسم جمع بنانة وهي الأصبع وقيل طرف الأصبع ، وإضافة (كل) إليه لاستغراق أصحابها.
وإنما خصت الأعناق والبنان لأن ضرب الأعناق إتلاف لأجساد المشركين وضرب البنان ، يبطل صلاحية المضروب للقتال ، لأن تناول السلاح إنما يكون بالأصابع ، ومن ثم كثر في كلامهم الاستغناء بذكر ما تتناوله اليد أو ما تتناوله الأصابع ، عن ذكر السيف ، قال النابغة :
وأن تلادي أن نظرت وشكّتي |
|
ومهري وما ضمّت إليّ الأنامل |
يعني سيفه ، وقال أبو الغول الطهوي :
فدت نفسي وما ملكت يميني |
|
فوارس صدّقت فيهم ظنوني |
يريد السيف ومثل ذلك كثير في كلامهم فضرب البنان يحصل به تعطيل عمل اليد فإذا ضربت اليد كلها فذلك أجدر.
وضرب الملائكة يجوز أن يكون مباشرة بتكوين قطع الأعناق والأصابع بواسطة فعل الملائكة على كيفية خارقة للعادة وقد ورد في بعض الآثار عن بعض الصحابة ما يشهد لهذا المعنى ، فإسناد الضرب حقيقة. ويجوز أن يكون بتسديد ضربات المسلمين وتوجيه