المشركين ثم قال : «شاهت الوجوه» ثم نفحهم بها ثم أمر أصحابه فقال : شدوا فكانت الهزيمة على المشركين ، وقال غيره لم يبق مشرك إلا أصابه شيء من الحصا في عينيه فشغل بعينيه فانهزموا ، فلكون الرمي قصة مشهورة بينهم حذف مفعول الرمي في المواضع الثلاثة ، وهذا أصح الروايات ، والمراد بالرمي رمي الحصباء في وجوه المشركين يوم بدر ، وفيه روايات أخرى لا تناسب مهيع السورة ، فالخطاب في قوله : (رَمَيْتَ) للنبي صلىاللهعليهوسلم.
والرمي حقيقته إلقاء شيء أمسكته اليد ، ويطلق الرمي على الإصابة بسوء من فعل أو قول كما في قول النابغة :
رمى الله في تلك الأكف الكوانع
أي أصابها بما يشلها ـ وقول جميل :
رمى الله في عيني بثينة بالقذى |
|
وفي الغر من أنيابها بالقوادح |
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) [النور : ٦] فيجوز أن يكون (رَمَيْتَ) الأول وقوله : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) مستعملين في معناهما المجازي أي وما أصبت أعينهم بالقذى ولكن الله أصابها به لأنها إصابة خارقة للعادة فهي معجزة للنبي صلىاللهعليهوسلم وكرامة لأهل بدر فنفيت عن الرمي المعتاد وأسندت إلى الله لأنها بتقدير خفي من الله ، ويكون قوله : (إِذْ رَمَيْتَ) مستعملا في معناه الحقيقي ، وفي «القرطبي» عن ثعلب أن المعنى وما رميت الفزع والرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء فانهزموا ، وفيه عن أبي عبيدة أن (رميت) الأول والثاني ، و (رمى) مستعملة في معانيها الحقيقية ، وهو ما درج عليه جمهور المفسرين وجعلوا المنفي هو الرمي الحقيقي والمثبت في قوله : (إِذْ رَمَيْتَ) هو الرمي المجازي وجعله السكاكي من الحقيقة والمجاز العقليين فجعل ما رميت نفيا للرمي الحقيقي وجعل (إذ رميت) للرمي المجازي.
وقوله : (إِذْ رَمَيْتَ) زيادة تقييد للرمي وأنه الرمي المعروف المشهور ، وإنما احتيج إليه في هذا الخبر ولم يؤت بمثله في قوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) لأن القتل لما كانت له أسباب كثيرة كان اختصاص سيوف المسلمين بتأثيره غير مشاهد ، وكان من المعلوم أن الموت قد يحصل من غير فعل فاعل غير الله ، لم يكن نفي ذلك التأثير ، وإسناد حصوله إلى مجرد فعل الله محتاجا إلى التأكيد بخلاف كون رمي الحصى الحاصل بيد الرسول صلىاللهعليهوسلم حاصلا منه ، فإن ذلك أمر مشاهد لا يقبل الاحتمال ، فاحتيج في نفيه إلى التأكيد إبطالا لاحتمال