مطابقين لما جريا عليه ، كما تقدم عند قوله تعالى : (مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) في سورة آل عمران [١٤٦].
والأرض يراد بها الدنيا كما تقدم عند قوله تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) في سورة الأعراف [٥٦] فالتعريف شبيه بتعريف الجنس ، أو أريد بها أرض مكة ، فالتعريف للعهد ، والمعنى تذكير المؤمنين بأيام إقامتهم بمكة قليلا مستضعفين بين المشركين ، فإنهم كانوا حينئذ طائفة قليلة العدد قد جفاهم قومهم وعادوهم فصاروا لا قوم لهم وكانوا على دين لا يعرفه أحد من أهل العالم فلا يطمعون في نصر موافق لهم في دينهم وإذا كانوا كذلك وهم في مكة فهم كذلك في غيرها من الأرض فآواهم الله بأن صرف أهل مكة عن استيصالهم ثم بأن قيّض الأنصار أهل العقبة الأولى وأهل العقبة الثانية ، فأسلموا وصاروا أنصارا لهم بيثرب ، ثم أخرجهم من مكة إلى بلاد الحبشة فآواهم بها ، ثم أمرهم بالهجرة إلى يثرب فآواهم بها ، ثم صار جميع المؤمنين بها أعداء للمشركين فنصرهم هنالك على المشركين يوم بدر ، فالله الذي يسّر لهم ذلك كله قبل أن يكون لهم فيه كسب أو تعمّل ، أفلا يكون ناصرا لهم بعد أن ازدادوا وعزوا وسعوا للنصر بأسبابه ، وأ فلا يستجيبونهم له إذا دعاهم لما يحييهم وحالهم أقرب إلى النصر منها يوم كانوا قليلا مستضعفين.
والتخطف شدة الخطف ، والخطف : الأخذ بسرعة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) [البقرة : ٢٠] وهو هنا مستعار للغلبة السريعة لأن الغلبة شبه الأخذ ، فإذا كانت سريعة أشبهت الخطف ، قال تعالى : (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٢٧] أي يأخذكم أعداؤكم بدون كبرى مشقة ، ولا طول محاربة إذ كنتم لقمة سائغة لهم ، وكانوا أشد منكم قوة ، لو لا أن الله صرفهم عنكم ، وقد كان المؤمنون خائفين في مكة ، وكانوا خائفين في طرق هجرتيهم ، وكانوا خائفين يوم بدر ، حتى أذاقهم الله نعمة الأمن من بعد النصر يوم بدر.
و (النَّاسُ) مراد بهم ناس معهودون وهم الأعداء ، المشركون من أهل مكة وغيرهم ، أي طائفة معروفة من جنس الناس من العراب الموالين لهم.
وما رزقهم الله من الطيبات : هي الأموال التي غنموها يوم بدر.
والإيواء : جعل الغير آويا ، أي راجعا إلى الذي يجعله ، فيؤول معناه إلى الحفظ والرعاية.