اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠))
يجوز أن يكون عطف قصة على قصة من قصص تأييد الله رسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين فيكون (إِذْ) متعلقا بفعل محذوف تقديره واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا ، على طريقة نظائره الكثيرة في القرآن.
ويجوز أن يكون عطفا على قوله : (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال : ٢٦] فهو متعلق بفعل (اذكروا) من قوله (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) [الأنفال : ٢٦] ، فإن المكر بالرسول عليه الصلاة والسلام مكر بالمسلمين ويكون ما بينهما اعتراضا. فهذا تعداد لنعم النصر ، التي أنعم الله بها على رسوله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، في أحوال ما كان يظن الناس أن سيجدوا منها مخلصا ، وهذه نعمة خاصة بالنبيء صلىاللهعليهوسلم. والإنعام بحياته وسلامته نعمة تشمل المسلمين كلهم ، وهذا تذكير بأيام مقامهم بمكة ، وما لاقاه المسلمون عموما وما لاقاه النبي صلىاللهعليهوسلم خصوصا وأن سلامة النبي صلىاللهعليهوسلم سلامة لأمته.
والمكر إيقاع الضر خفية ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) في آل عمران [٥٤] ، وعند قوله تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) في سورة الأعراف [٩٩].
والإتيان بالمضارع في موضع الماضي الذي هو الغالب مع (إِذْ) استحضار للحالة التي دبروا فيها المكر ، كما في قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [فاطر : ٩].
ومعنى : (لِيُثْبِتُوكَ) ليحبسوك يقال أثبته إذا حبسه ومنعه من الحركة وأوثقه ، والتعبير بالمضارع في (لِيُثْبِتُوكَ) ، و (يَقْتُلُوكَ) ، و (يُخْرِجُوكَ) ، لأن تلك الأفعال مستقبلة بالنسبة لفعل المكر إذ غاية مكرهم تحصيل واحد من هذه الأفعال.
وأشارت الآية إلى تردد قريش في أمر النبي صلىاللهعليهوسلم حين اجتمعوا للتشاور في ذلك بدار الندوة في الأيام الأخيرة قبيل هجرته ، فقال أبو البختري : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق وسدوا عليه باب بيت غير كوة تلقون إليه منها الطعام ، وقال أبو جهل : أرى أن نأخذ من كل بطن في قريش فتى جلدا فيجتمعون ثم يأخذ كل واحد منهم سيفا ويأتون محمدا في بيته فيضربونه ضربة رجل واحد فلا تقدر بنو هاشم على قتال قريش بأسرها فيأخذون العقل ونستريح منه ، وقال هشام بن عمرو : الرأي أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين