القول وهو عذاب القتل المهين بأيدي المسلمين يوم بدر ، قال تعالى : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٤] وكان العذاب قد تأخر عنهم زمنا اقتضته حكمة الله ، بين الله لرسوله في هذه الآية سبب تأخر العذاب عنهم حين قالوا ما قالوا ، وأيقظ النفوس إلى حلوله بهم وهم لا يشعرون.
فقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) كناية عن استحقاقهم ، وإعلام بكرامة رسوله صلىاللهعليهوسلم عنده ، لأنه جعل وجوده بين ظهراني المشركين مع استحقاقهم العقاب سببا في تأخير العذاب عنهم ، وهذه مكرمة أكرم الله بها نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم فجعل وجوده في مكان مانعا من نزول العذاب على أهله ، فهذه الآية إخبار عما قدره الله فيما مضى.
وقال ابن عطية قالت فرقه نزلت هذه الآية كلها بمكة ، وقال ابن أبزى نزل قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) بمكة إثر قولهم : (أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، ونزل قوله: (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) عند خروج النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون ، ونزل قوله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) [الأنفال : ٣٤] بعد بدر.
وفي توجيه الخطاب بهذا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، واجتلاب ضمير خطابه بقوله : (وَأَنْتَ فِيهِمْ) لطيفة من التكرمة إذ لم يقل : وما كان الله ليعذبهم وفيهم رسوله ، كما قال : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) [آل عمران : ١٠١].
وأما قوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فقد أشكل على المفسرين نظمها ، وحمل ذلك بعضهم على تفكيك الضمائر فجعل ضمائر الغيبة من (لِيُعَذِّبَهُمْ) ، و (فِيهِمْ) و (مُعَذِّبَهُمْ) للمشركين ، وجعل ضمير (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) للمسلمين ، فيكون عائدا إلى مفهوم من الكلام يدل عليه (يَسْتَغْفِرُونَ) فإنه لا يستغفر الله إلّا المسلمون وعلى تأويل الإسناد فإنه إسناد الاستغفار لمن حل بينهم من المسلمين ، بناء على أن المشركين لا يستغفرون الله من الشرك.
فالذي يظهر أنها جملة معترضة انتهزت بها فرصة التهديد بتعقيبه بترغيب على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد ، فبعد أن هدد المشركين بالعذاب ذكرهم بالتوبة من الشرك بطلب المغفرة من ربهم بأن يؤمنوا بأنه واحد ، ويصدقوا رسوله ، فهو وعد بأن التوبة من الشرك تدفع عنهم العذاب وتكون لهم أمنا وذلك هو المراد بالاستغفار ، إذ من البين أن ليس المراد ب (يَسْتَغْفِرُونَ) أنهم يقولون : غفرانك اللهم ونحوه ، إذ لا عبرة بالاستغفار بالقول والعمل يخالفه فيكون قوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) تحريضا وذلك