على أن القرآن ليس من عند الله ، وذلك في معنى القسم كما علمت.
وتعليق الشرط بحرف (إِنْ) لأن الأصل فيها عدم اليقين بوقوع الشرط ، فهم غير جازمين بأن القرآن حق ومنزل من الله بل هم موقنون بأنه غير حق واليقين بأنه غير حق أخص من عدم اليقين بأنه حق.
وضمير (هُوَ) ضمير فصل فهو يقتضي تقوي الخبر أي : إن كان هذا حقا ومن عندك بلا شك.
وتعريف المسند بلام الجنس يقتضي الحصر فاجتمع في التركيب تقو وحصر وذلك تعبيرهم يحكون به أقوال القرآن المنوهة بصدقه كقوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) [آل عمران : ٦٢] وهم إنما أرادوا إن كان القرآن حقا ولا داعي لهم إلى نفي قوة حقيته ولا نفي انحصار الحقية فيه ، وإن كان ذلك لازما لكونه حقا ، لأنه إذا كان حقا كان ما هم عليه باطلا فصح اعتبار انحصار الحقية فيه انحصارا إضافيا ، إلّا أنه لا داعي إليه لو لا أنهم أرادوا حكاية الكلام الذي يبطلونه.
وهذا الدعاء كناية منهم عن كون القرآن ليس كما يوصف به ، للتلازم بين الدعاء على أنفسهم وبين الجزم بانتفاء ما جعلوه سبب الدعاء بحسب عرف كلامهم واعتقادهم.
و (مِنْ عِنْدِكَ) حال من الحق أي منزلا من عندك فهم يطعنون في كونه حقا وفي كونه منزلا من عند الله.
وقوله : (مِنَ السَّماءِ) وصف لحجارة أي حجارة مخلوقة لعذاب من تصيبه لأن الشأن أن مطر السماء لا يكون بحجارة كقوله تعالى : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) [الفجر : ١٣] (والصب قريب من الأمطار).
وذكروا عذابا خاصا وهو مطر الحجارة ثم عمموا فقالوا : (أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ويريدون بذلك كله عذاب الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالآخرة. ووصفوا العذاب بالأليم زيادة في تحقيق يقينهم بأن المحلوف عليه بهذا الدعاء ليس منزلا من عند الله فلذلك عرضوا أنفسهم لخطر عظيم على تقدير أن يكون القرآن حقا ومنزلا من عند الله.
وإذ كان هذا القول إنما يلزم قائله خاصة ومن شاركه فيه ونطق به مثل النضر وأبي جهل ومن التزم ذلك وشارك فيه من أهل ناديهم ، كانوا قد عرضوا أنفسهم به إلى تعذيب الله إياهم انتصارا لنبيه وكتابه ، وكانت الآية نزلت بعد أن حق العذاب على قائلي هذا