حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣))
عطف على (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٣٠] أو على (قالُوا قَدْ سَمِعْنا) [الأنفال : ٣١] وقائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث صاحب المقالة السابقة ، وقالها أيضا أبو جهل وإسناد القول إلى جميع المشركين للوجه الذي أسند له قول النضر (قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال : ٣١] فارجع إليه ، وكذلك طريق حكاية كلامهم إنما هو جار على نحو ما قررته هنالك من حكاية المعنى.
وكلامهم هذا جار مجرى القسم ، وذلك أنهم يقسمون بطريقة الدعاء على أنفسهم إذا كان ما حصل في الوجود على خلاف ما يحكونه أو يعتقدونه ، وهم يحسبون أن دعوة المرء على نفسه مستجابة ، وهذه طريقة شهيرة في كلامهم قال النابغة :
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه |
|
إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي |
وقال معدان بن جواس الكندي ، أو حجيّة بن المضرب السّكوني :
إن كان ما بلّغت عني فلامني |
|
صديقي وشلّت من يديّ الأنامل |
وكفّنت وحدي منذرا بردائه |
|
وصادف حوطا من أعادي قاتل |
وقال الأشتر النّخعي :
بقّيت وفري وانحرفت عن العلى |
|
ولقيت أضيافي بوجه عبوس |
إن لم أشنّ على ابن حرب غارة |
|
لم تخل يوما من نهاب نفوس |
وقد ضمّن الحريري في «المقامة العاشرة» هذه الطريقة في حكاية يمين وجّهها أبو زيد السروجي على غلامه المزعوم لدى والي رحبة مالك بن طوق حتى اضطرّ الغلام إلى أن يقول : «الاصطلاء بالبلية ، ولا الابتلاء بهذه الأليّة».
فمعنى كلامهم : إن هذا القرآن ليس حقا من عندك فإن كان حقا فأصبنا بالعذاب ، وهذا يقتضي أنهم قد جزموا بأنه ليس بحق وليس الشرط على ظاهره حتى يفيد ترددهم في كونه حقا ولكنه كناية عن اليمين وقد كانوا لجهلهم وضلالهم يحسبون أن الله يتصدى لمخاطرتهم ، فإذا سألوه أن يمطر عليهم حجارة إن كان القرآن حقا منه أمطر عليهم الحجارة وأرادوا أن يظهروا لقومهم صحة جزمهم بعدم حقية القرآن فأعلنوا الدعاء على أنفسهم بأن يصيبهم عذاب عاجل إن كان القرآن حقا من الله ليستدلوا بعدم نزول العذاب