تكون عطفا على جملة (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) [الأنفال : ٣٨] فتكون مما يدخل في حكم جواب الشرط. والتقدير : فإن يعودوا فقاتلوهم ، كقوله : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء : ٨] ـ وقوله ـ (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) [التوبة : ٣] والضمير عائد إلى مشركي مكة.
والفتنة اضطراب أمر الناس ومرجهم ، وقد تقدم بيانها غير مرة ، منها عند قوله تعالى: (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) في سورة البقرة [١٠٢] وقوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) في سورة العقود [٧١].
والمراد هنا أن لا تكون فتنة من المشركين لأنه لما جعل انتفاء والفتنة غاية لقتالهم ، وكان قتالهم مقصودا منه إعدامهم أو إسلامهم ، وبأحد هذين يكون انتفاء الفتنة ، فنتج من ذلك أن الفتنة المراد نفيها كانت حاصلة منهم وهي فتنتهم المسلمين لا محالة ، لأنهم إنما يفتنون من خالفهم في الدين فإذا أسلموا حصل انتفاء فتنتهم وإذا أعدمهم الله فكذلك.
وهذه الآية دالة على ما ذهب إليه جمهور علماء الأمة من أن قتال المشركين واجب حتى يسلموا ، وأنهم لا تقبل منهم الجزية ، ولذلك قال الله تعالى هنا : (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ـ وقال في الآية الأخرى ـ (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩].
وهي أيضا دالة على ما رآه المحققون من مؤرخينا : من أن قتال المسلمين المشركين إنما كان أوله دفاعا لأذى المشركين ضعفاء المسلمين ، والتضييق عليهم حيثما حلوا ، فتلك الفتنة التي أشار إليها القرآن ولذلك قال في الآية الأخرى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : ١٩١].
والتعريف في (الدِّينُ) للجنس وتقدم الكلام على نظيرها في سورة البقرة ، إلّا أن هذه الآية زيد فيها اسم التأكيد وهو (كُلُّهُ) وذلك لأن هذه الآية أسبق نزولا من آية البقرة فاحتيج فيها إلى تأكيد مفاد صيغة اختصاص جنس الدين بأنه لله تعالى ، لئلا يتوهم الاقتناع بإسلام غالب المشركين فلما تقرر معنى العموم وصار نصا من هذه الآية عدل عن إعادته في آية البقرة تطلبا للإيجاز.
وقوله : (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي عليم كناية عن حسن مجازاته إياهم لأن