الرسالي ، والقرآن الحاكي عن كيان الرسول وخلقه العظيم ، والآيات في هذه السورة نفسها.
فالآيتان الأوليان تنقلان العبوس والتولي عن غائب : «عبس ـ تولى ـ جاءه» ، والقرآن موجّه بالذات إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فهو المخاطب في آياته الكريمة لا سواه ، إلا بدليل قاطع ، وفيما إذا خوطب غيره ، فإنما هو بواسطته ، إذ إنّ وحي القرآن ليس إلا إليه : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) (٢٦ : ١٩٤ ـ ١٩٥).
لا يقول : عبست وتوليت أن جاءك الأعمى ، وإنما (عَبَسَ وَتَوَلَّى) فمن هذا الذي يشكو إليه الله تعالى عنه ، هل هو غير من يوحي إليه بالقرآن؟ وإذ كان هو النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فهل يشكو إليه عن نفسه المقدسة شكاة منه إليه؟
ثم نرى هنا التفاتا من الغيبة إلى الحضور ، فالمخاطب ثانيا هو الغائب أولا ، وليست الغيبة في البداية إلا لأنّ العابس هو البعيد البعيد ، لا يستحق الخطاب لبعده بعبوسه عن ساحة القرب ، يشكوه ربه إلى نبيه ، ثم يخاطبه بعناد وعتاب قاس : (وَما يُدْرِيكَ ..)؟ إضافة إلى نسبته إلى الكفر أو الكفران : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) ولم يسبق هنا من الكفران إلا العبوس والتولي.
ومن وجهة النظرة العامة إلى القرآن فيما يعرّف الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أو يكلّفه ، نرى من المستحيل أن يكون العابس هو الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : فقد سبقت آية العبس
__________________
ـ والاعتذار مما يظنونه من عبس النبي (ص) أنه (ص) كان مستخليا بصنديد من صناديد قريش وهو يدعوه إلى الله وهو يرجو أن يسلم إذ أقبل ابن أم مكتوم ، فلما رآه النبي (ص) كره مجيئه وقال في نفسه : يقول هذا القرشي إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ، فعبس فنزل الوحي ، كما عن مجاهد.
هذا الاعتذار يتنافى والقرآن القائل : (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) إذ لو رجا إيمانه لكان مكلفا بالتصدي له ، ويتنافى وخلق الرسول من إكرامه للمؤمنين ، فليضرب بهذه الأخبار عرض الجدار.