آية الخلق العظيم : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٦٨ : ٤) ولزمته آية خفض الجناح للمؤمنين : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (١٥ : ٨٨ ـ ٨٩) أفتحسب الرسول يترك أمر الله وهو (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٤٣ : ٨١) ويترك الخلق العظيم ، تكذيبا لما قرره رب العالمين : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، كل ذلك تصديا وإكراما للطغاة اللئام المستغنين ، فيعبس في وجه مؤذّنه الفقير الضرير لأنه استقرأه آيا من الذكر الحكيم ، فيتولى عنه توليا عما أمر أن يعيشه طوال حياته المنيرة؟ (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ)!
إن العبوس لم يكن من شيم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين ، وقد أمر أن يصبر نفسه معهم : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (١٨ : ٢٨).
وألا يطردهم : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٦ : ٥٢).
وأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٦ : ٢١٥).
وألا يكون فظا غليظ القلب : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (٣ : ١٥٩).
وأن يعرض عن المشركين : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (١٥ : ٩٤ ـ ٩٥).
هذه وما إليها من أوامر وتعليمات ربانية ، وإنها من أوليات الشروط الرسالية من بدايتها ، أفهل يتركها الرسول فيعامل مؤذنه الضرير الفقير بهذه الفظاظة والغلظة فيطرده فيكون من الظالمين التاركين لأوليات شروط الدعوة؟