فهذه هي الرحلة الثانية في توجيه ابن عفان العابس ومن تصدى هوله ، من الطواغيت ، بعد تأنيبه أولا ، توجيها له إلى الصحف المكرمة بأيدي سفرة وأكرمهم هو الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي أساء الأدب بمحضره الشريف.
ثم تأنيب ثالث يقتله وأمثاله بالكفران ونسيان نعم الرب المنان ، ويقتل من استغنى ولا يتزكى.
* * *
(قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) (٢٣)
.. (قُتِلَ الْإِنْسانُ) : إخبار أنه مقتول هواه وغبائه ، قتلته نفسه الأمارة بالسوء ، قتلت روحه وضميره وقلبه ، فالمثل العليا فيه مقتولة ميتة مقبورة ، ومثل الحيونة والطغيان فيه حية ماثلة ، وكما عرفناه من ابن عفان ، وأحرى منه في من استغنى ولا يريد أن يزكى ، تنديدا بالمتصدي والمتصدّى له ، كل على حدّه.
هذه هي اللعنة التي يستجرها الإنسان إلى نفسه بأخلاقه وأعماله الملعونة ، وعلى حد تفسير الإمام عليه السّلام : «لعن الإنسان» (١).
أجل إنه إخبار من الله بهذه اللعنة ، وليس دعاء وكيف يدعو الله! اللهم إلا عن ألسنة السفرة الكرام البررة يدعون لهكذا إنسان بالقتل ، أن يقتله الله ختما على قلبه ويزيغه (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥١٠ ح ١٠ في كتاب الاحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين علي (ع).