(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) : نطفة في وحدتها أمشاج : أخلاط من عناصر عدة ، ومن أشكال عدة من اخرياتها الخلط الثنوي بين الحيوان المنوي والبويضة (١) ، فلما ذا يستغني وأوله نطفة قذرة ، وآخره جيفة مذرة ، وهو بينهما حمال عذرة؟! ولماذا يستغني وأوله دليل على قدرة الله وحكمته أن كيف خلق النطفة؟ وتقديره وتيسره وإلى نهاية أمره ، كل ذلك دليل على إتقان الصنع وإحكامه.
(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٢٣ : ١٤) .. هكذا خلقه من نطفة وهكذا قدره جسدانيا وروحيا دون أن يكون خلقه فوضى ، دون تقدير ولا غاية.
خلقه من نطفة فقدّره إنسانا ، بدّله من دودة تافهة نتنة إلى أحسن المخلوقين ، ولأنه أحسن الخالقين .. قدّره وهيأه لتفهم السبيل وتقبّل السبيل.
(ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) :
يسر السبيل ذاته لا أنه يسره لها أو يسرها له. ليت السبيل منفصلة عن ذاته ، إنما هي في ذاته ـ فطرته وعقله ـ ومن ثم يتزود زيادة الهدى من آفاقه : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (٤١ : ٥٣).
إن السبيل هي الدين : المعرفة فالطاعة لله لا سواه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ
__________________
(١) تجد تفصيل البحث عن كيان المني والنطفة في مناسبات أخرى.