إنها هي الساعة الصاخة (صيحة الإحياء) فإذا هم إلى ربهم ينسلون ، صيحة تصخّ الأسماع وتقرعها ، وتجعل الإنسان يفر من ذويه ، لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه.
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ...) :
ولأن الهول هناك هول نفسي يفزع النفس ويفصلها عن محيطها وعنها أيضا : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (٢٢ : ٢) ، لذلك تراه ـ وبالأحرى ـ يفر من ذويه الأقربين والأنسبين (مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ).
فهل يا ترى لماذا الفرار (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) (٤٠ : ٣٩)؟
فهل لأن كلّا ظالم بحقوقهم فيفر ؛ كيلا يطالبوه بظلمهم؟ وليس كل امرء ظالما!
أم مخافة أن يطالبوه بشفاعة ولأنه من أهلها؟ وليسوا إلا قلة قليلة!
أم لأنهم لا ينفعونه شيئا؟ وهذا لا يستوجب الفرار.
أم لأنهم لا يعرفونهم (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ)؟ فكذلك الأمر!
أم مخافة أن يتعلقوا به لماذا قصرت تجاهنا؟ وليس الكل هكذا!
إذا فلما ذا؟ لا نجد أخصر وأشمل من هذا التعبير الذي يشغل الحس والضمير :
(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) :
يكفيه ـ شأنه الشائن ، وهوله الكائن إثر الصاخة القارعة ، هذا يكفيه عما سواه وعمن سواه.