هول أول مفاجئ لا يدع الإنسان ـ أيا كان ـ أن يفكر في غيره ، فهو يفرّ وحتى عن أقاربه ، فرارا فكريا فبالأقدام ، ولحدّ لا يكاد يرى بعضهم البعض ، وكما يروى عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : «يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان ، قيل : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض ، الرجال إلى النساء؟ قال : شغل الناس عن ذلك نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)(١).
شأن يغنيه ، إضافة إلى المحتملات المسبّقة حسب الدرجات : فرارا عن المطالبة بالتبعات ، يقول الأخ : ما واسيتني ، والأبوان : قصرت في حقنا ، والصاحبة : لم تصاحبني كما يجب ، والبنون : ما ربيتنا كما يحق.
أو فرارا عن الشفاعات ، والأصل الشامل هو الذي قال الله (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) :
تقسيم ثنائي لوجوه الناس إلى مسفرة ، والتي عليها غبرة : مسفرة مشرقة بعد الهول العام ، إذ نعرف نجاحها يومذاك ، مسفرة لأنها سافرت مع السفرة ، كرام بررة ، فتلت صحفهم المطهرة ، وطبّقتها وعاشتها حياتها ، ولأنها اتجهت حياتها إلى الوجهات الربانية وأعرضت عن الشيطانية.
فكما الصبح يسفر بعد الظلام بخرقه ، فينير ، كذلك هذه الوجوه تسفر بعد ظلام الصاخة ، العام ، منيرة متهللة مشرقة ، تتغير شأنها الذي كان يهمّها ويغنيها ، ثم ـ علّها ـ تنعطف إلى الذين يلتصقون بها لشفاعتهم ، إن قريبا أو بعيدا ، ف (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣١٧ ، عن سودة بنت زمعة وسهل بن سعد وأم سلمة وعائشة عن النبي (ص) نقلنا المجموع كرواية واحدة رعاية للإضافات.