فالكواكب الطالعة سوف تغرب عن ضوئها وعن تمدنها ، وسوف تتساقط هذه الطائرات الجوية السائرة على أفلاكها ، بما معها من الكواكب غير الطالعة : (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) (٨٢ : ٢) والكوكب يعم الطالع وسواه ، والانتثار هو من جرّاء الانكدار ، كما تنتثر الطير وتتساقط إلى عمق الفضاء عقب انكدار حياتها ، فما دامت حية لا تنتثر بمسكة الحياة ، فإذا انكدرت عليها حياتها انتثرت.
إن المعني من طلوع الكوكب هو واقع الطلوع ، لا بالنسبة لإنسان الأرض ، ومع العيون المجردة ، إنما واقع الطلوع أينما كان موقعه من السماء.
والكوكب منذ خلقه ليس طالعا ، ثم يتكامل ؛ فيصبح طالعا نيّرا ، ومن ثم قد يصلح للحياة والتمدن وهو الطلوع الأخير.
فمن الكواكب ما لم يطلع بعد ، أو هو في الطلوع الأول أو الأخير ، ومنها ما طلع طلوعا أو طلوعين ثم غروب ، والانكدار يعني الغروب النهائي والوقوف عن الحراك ، والتساقط إلى أعماق الفضاء ، فالانتثار هو المرحلة الأخيرة من غروبها (١).
يتبدل النجم كوكبا «لا نجم» ثم ينتثر وينطمس (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) (٧٧ : ٨) طمس الكيان النجومي ، طلوعا وحراكا وتجمعا ، ارتجاعا إلى الحالة الغازية الأولى التي خلقت هي ـ بادئ ذي بدء ـ منها (وَالسَّماءِ ذاتِ
__________________
(١) قد يؤيد كون النجم أخص فأكمل من الكوكب أن الآيات المستعرضة للخلق لا تأتي إلا بذكر الكواكب ، ثم نرى ما تذكر الحالات المتوسطة والاخيرة تذكر النجوم ، فمن بين ثلاث عشرة مرة تذكر النجوم ، لا تجد ولا مرة واحدة استعراض خلقها ، وإنما : الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر» (٦ : ٩٧) وانها مسخرات بأمر الله (٧ : ٥٤) وأن لها مواقع (٥٦ : ٧٥) ثم انها تطمس وتنكدر ، بينما الكواكب تذكر بخلقها ، «إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ» (٣٧ : ٦) ثم قيامتها : «وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ» (٨٢ : ٧).