كانت شماسا مجنونة الحراك ، فجعل الجبال أوتادا لهذا المهد لكي تسكن من الميدان.
(وَالْجِبالَ أَوْتاداً) :
فإنها كانت جبالا ولم تكن أوتادا ، فأرساها الله تعالى في قطع أديمها : «وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب الشم من صياخيدها فسكنت من الميدان برسو الجبال في قطع أديمها» «فسكنت على حركاتها من أن تميد بأهلها أو تسيخ بحملها أو تزول عن مواضعها ، فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها وأجمدها بعد رطوبة أكنافها فجعلها لخلقه مهادا وبسطها لهم فراشا فوق بحر لجي لا يجري وقائم لا يسري ، تكركره الرياح العواصف ، وتمخضه الغمام الذوارف ، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى» (١).
فهنا مسألتان هامتان من أهم مسائل التكوين هما : الأرض المهاد المتحركة ، والجبال الأوتاد. ومن الضروري لهذه المهاد المضطربة الشموس أن توتّد. لكي تسكن عن الاضطراب على حركتها ، فإن بها مساك الأرض وقوامها واعتدالها وثباتها كما يثبت البيت بأوتاده والخباء على أعماده ، مساكا عن اضطرابها وميدانها لا عن حركاتها «أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال وأرساها على غير قرار وأقامها بغير قوائم ورفعها بغير دعائم وحصنها من الأود والاعوجاج ومنعها من التهافت والانفراج ، أرسى أوتادها ...» (٢)
فالأرض المهاد ، هي مهاد للحياة عامة ، وللحياة الإنسانية بصورة خاصة ، تمهد الحياة للإنسان بسهلها وجبلها ومائها وفضائها وحركاتها ، مهاد كالمهد ، ومهد تريح الإنسان عن أعباء الحياة بحركاتها المعتدلة المتناسقة المتلائمة.
__________________
(١) نهج البلاغة في مواضيع عدة عن امير المؤمنين علي عليه السلام.
(٢) من خطب أمير المؤمنين علي (ع) ، وسوف نأتي على بحث فصل حول حركات الأرض في سورة المرسلات وسواها ، وحول أوتاد الجبال في أنسب مواضيعها.