فاختلال نسبة واحدة من النسب الملحوظة في خلق الأرض وخلق الحياة على الأرض ، هذا الاختلال يخرجها عن الأرض المهاد إلى الأرض الشموس العتاد.
وجبال الأرض ـ الأوتاد ـ هي أشبه شيء بأوتاد مهد الطفل ، تحفظ توازنها في حراكها ، وتعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال ، وتعادل بين التقلصات الجوفية للأرض وتقلصاتها السطحية ، ولأسباب أخرى نجهلها ، أشار القرآن الكريم إليها ، ثم عرف الإنسان طرفا منها يسيرا ، على جهوده العلمية المتواصلة ، وبعد مئات السنين.
هذه الأرض المهاد والجبال الأوتاد ، هي من البراهين الساطعة على وجود مدبّر واحد عظيم عليم قدير حكيم ، وإنها من أدلة النبإ الأول من الأنباء العظيمة : «نبأ التوحيد» إذ ليس بالإمكان أن يحصل هذا التدبير دون مدبر ، أو يدبره أرباب متشاكسون.
خلق الأزواج :
(وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) :
الزوج هو المماثل الملائم ، فكما خلق الله الأرض والجبال متلائمين مع بعض ، كذلك الإنسان خلقه الله أزواجا : أزواجا مع الأرض التي يعيشون عليها ، ملائمة طباعهم معها ، وأزواجا بعضهم مع بعض في كافة النواحي الجسدانية والحيوية ، دون منافرة ذاتية هنا وهناك .. أجل : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) : منافرة ذاتية ، اللهم إلا أن يتنافروا بينهم بسوء الإختيار .. ثم أزواجا مع نبات الأرض وحيوانها ، إذ يعيش معها مفيدا لها مستفيدا منها .. فالكون كله أزواج رغم اختلاف الأشكال. ف (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (٣٦ : ٣٦). (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) (٤٣ : ١٢)
الفرقان في تفسير القرآن(٢)