لا يخبؤ توقده ، وبحر لا يدرك قعره ، ومنهاج لا يضل نهجه ، وشعاع لا يظلم ضوؤه ، وفرقان لا يخمد برهانه ، وبنيان لا تهدم أركانه ، وشفاء لا تخشى أسقامه ، وعز لا تهزم أنصاره وحق لا تخذل أعوانه ..».
من هنا وهناك نستوحي غنى القرآن البرهان عن أي شاهد وبرهان ، اللهمّ إلا لمن كلت بصيرته ، فليستدل لأنواره المعرفية المعنوية بالأنوار المادية المحسوسة كالضحى والصبح إذا تنفس ، ويستدل لظلمات ما سواه بالليل إذا سجى وعسعس ، بما أنهما باهران في المثال ، دون الخنّس الجواري الكنّس ، إذ الخفي المذبذب ، المستتر المختبئ ، لا يمثّل الظاهر الجلي ، اللهم إلا للدلالة على وحي الأرض الخانس العسّ ، ف (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ) : فقد يكون ، إذن ، قسما ولا قسما : (فَلا أُقْسِمُ ..) للدلالة على نور الوحي ، ولو أقسمت فإنما لظلمة وحي الأرض ، ولكي يعرف تجاهه وحي السماء.
(فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوارِ الْكُنَّسِ) :
إن الجواري الكنس هي الخنس بشاهد عدم العطف ، خلافا لكافة المفسرين الفاصلين بينهما ، كأن الثاني غير الأول وهما واحد! فالخنس هي التي تقبع وتستسر وتخفى وتستتر ، كما الكنس هي المتوارية المستخفية : سواء في ذلك النجوم الظاهرة الزاهرة بالليل ، والمستسرة المتتبعة بالليل (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٢٠ عن علي (ع) في قوله تعالى : فلا أقسم بالخنس ، قال : هي الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار فلا ترى.
أقول : هذا من التفسير بالمصداق الظاهر ، وجمع الخنس والكنس للكواكب يشهد لما استوحيناه من وحدتهما.
وفيه أخرج الحاكم أبو أحمد في الكنى عن العدبس قال : كنا عند عمر بن الخطاب فأتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما الجواري الكنس ، فطعن عمر مخصرة معه في عمامة الرجل فألقاها عن ـ