وكذلك الشمس الخانسة يوميا ، المكورة نهائيا ، كما وإن كل طالع في الحياة من الكائنات ، إنه بين طلوع وغروب حتى تغرب نهائيا ، وقد ذكرت منها مسبقا الشمس والنجوم والبحار والوحوش والسماء والجبال ، وهي من أبرز وأقوى الخنس الجواري الكنس ، تجري دوما طلوعا وغروبا وإلى الغروب الدائب.
لا أقسم بها مهما كانت نجوما وشموسا ، وهي مثال لشموس الفصاحة والبلاغة التي خفيت ، خنست وكنست ، عند بزوغ شمس الرسالة المحمدية في أفق الجزيرة ، إذ إن القرآن شمس لا تخنس ولا تكنس ، تحريضا للجهال لكي يستيقظوا ، واستنهاضا لهم أن يفكروا في القرآن نفسه ولكي ينتبهوا أنه هو برهان وحيه بنفسه ، دون حاجة إلى سواه ، حيث البراهين كلها خانسة كانسة تجاه القرآن الذي كله برهان ، وكيانه ـ ككل ـ أنه نور وبرهان.
(وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ. وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) :
«عسعس» لفظة مؤلفة من «عس» مرتين ، وأصله طلب الشيء بالليل ، والعسعسة من الأضداد ، فهي الإقبال والإدبار : إقبال الليل وإدباره ، وإقبال الطالب بالليل وإدباره فيه للحصول على المطلوب (١).
__________________
ـ رأسه ، فقال عمر : أحرورى! والذي نفس عمر بن الخطاب بيده لو وجدتك محلوقا لأنحيت القمل عن رأسك».
أقول : أفهكذا يجاب من يسأل عن القرآن؟ فإذا جهل الخليفة معنى آية من القرآن فلما ذا يهتك من يستعلمه؟ ولماذا يفتري عليه؟.
على الحق مع الخليفة يؤدب من يستعلمه وليس المسؤول من أهل الذكر ، والله تعالى يقول : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .. ولكنه هل من الخطأ أن يظن بخليفة المسلمين بعض الخير : أنه يعلم بعض الشيء من القرآن فيستعلم؟ أنا لا أدري!
(راجع كتابنا علي والحاكمون في باب ثقافة الخليفة).
(١) في لسان العرب : العسعاس الخفيف من كل شيء ، والعسعسة قيل هي الإقبال ، وقيل هي الأدبار ، وقيل هو من الأضداد كما عن أبي إسحاق.