تعالى تكوينيا أن يوفقه ويسهل له الوصول إلى واقع الهداية والاستقامة فلما تحققت المشيئتان الإلهيتان تبعتهما مشيئة العبد الأخيرة الملامسة لواقع الهداية والاستقامة ، وكل هذه نجدها في الآيتين : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) : مشيئة أولى للمستقيم (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) : مشيئة ثانية ، وهي مع واقع الهداية والاستقامة ، ومشيئة تشريعية وتكوينية من الله تتوسطان مشيئتي العبد المستقيم ـ إذا ـ فلا جبر في الهداية ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، أمر من الله وأمر من العبد ، لذلك فلتنسب الهداية إلى الله ـ وأحرى له ـ وإلى العبد أيضا لاختياره ، وهذه في الحسنات أن الله يشاء ويدبّر ويوفق : «يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني» ذلك لأن الله تعالى لا يشاء السيئة لا تشريعيا ولا تكوينيا ، وإنما لا يجبر العبد على فعل السيئة ولا على تركها ، وله المشيئة التشريعية ألا يعصى ، فإذا خالف أمر الله وشاء المعصية يذره الله تعالى في طغيانه يعمه وفي غيّه يتردد ، إذ لا جبر في ترك المعصية كما لا جبر في فعلها.
وبما أن المخاطبين هنا هم المستقيمون ، ومن أصدق مصاديقهم هم الرسل والأئمة المعصومون ، لذلك وردت عن الصادقين أنهم هم المعنيون بالآية كما عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام قال : إن الله جعل قلوب الأئمة موردا لإرادته فإذا شاء الله شيئا شاءوه وهو قوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)(١) ،
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥١٩ ح ٣٠ القمي حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا محمد بن أحمد عن أحمد بن محمد اليساري عن فلان عنه (ع).