فترجعها إلى ما بدأت ، رجعا إلى النار وإلى المادة الفردة ، وكما جاء عن الصادق عليه السّلام : «تتحول البحار التي حول الدنيا كلها نيرانا» (١).
(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) :
وهذه قيامة الإحياء ، تبعثر القبور وتخرج الأجساد من الأجداث : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) (٧٠ : ٤٣) (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٣٦ : ٥١).
ولنعرف هنا ما هي القبور وبعثرتها؟ إن القبور هي مخابئ الأبدان وأجداثها ، فالقبر ـ لغويا ـ مقر الميت أيا كان : جوف البر أو البحر ، في جسد حيوان يأكل إنسانا ، أم في جدث التراب ، أم على وجه الأرض ، أم أيّا من الأماكن ، فإن الأبدان لا تضل عن علم الله كما الأرواح لا تضل ، مهما ضلت عن علمنا.
و «بعثر» كلمة مركبة من «بعث أثير» وآيته أنها تشمل المعنيين : فبإثارة القبور تبعث ما في القبور ، إثارة القبور وما في القبور ، دون أن يضل شيء من الأجزاء الأصيلة لكل جسد وفي كل جدث : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ... قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٣٢ : ١٠ ـ ١١) ترجعون إلى من : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (٣٤ : ٣).
(عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) :
علمت نفس : خيّرة أم شريرة ـ دون استثناء ـ علمت علما شاملا كما الجزاء هناك كامل ، علمت بعد جهل تام يوم الدنيا ، وبعد علم غير تام يوم البرزخ ، كما
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥١٤ ح ٦.