الجزاء هناك برزخي دون تمام ، فالبرزخ برزخ من كافة الجهات ، ومنها العلم بحقيقة الأعمال كالجزاء بالأعمال .. فما هو المقدم من الأعمال والعقائد والأقوال وما هو المؤخر؟
من الثابت قرآنيا أن كتاب الأعمال لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (٧٥ : ١٤) فالمقدّم أيّا كان والمؤخر أيا كان ، إنهما سوف يحضران يوم القيامة وفي موقف الحساب ، دون مغادرة لشيء منهما ولا مثقال ذرة إلا أتى الله بها وكفى به حفيظا وحاسبا.
علمت نفس ما قدّمت : من الأعمال المنقطعة غير المستمرة خيرا أو شرا ، وما أخرت مما له استمرار يؤثر ، من خير أو شر ، فالثاني من الآثار والأول مقدم وكلاهما مكتوبان يحضران يوم القيامة : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (٣٦ : ١٢) فالأعمال وإن كانت كلها مقدمة ليوم الحساب ، إلا أن البعض منها مؤخرة أيضا بعد ما قدّمت ، تبقى دائبة تقدّم دوما ما دامت سنّة يعمل بها طوال زمن التكليف ، سنّة حسنة أو سيئة ، فللعامل المبدع المبتدئ نصيب مما عملوا بها ولا ينقص أولئك من أجورهم في الحسنات ، ولا من أوزارهم في السيئات ، وكما نجدها أصلا ثابتا في الآيات وفي الروايات المأثورة عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمة من أهل بيته الكرام عليهم السلام وفي تفسير هذه الآية بالذات (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥٢٠ عن المجمع : جاء في الحديث أن سائلا قام على عهد النبي (ص) فسأل فسكت القوم ، ثم أن رجلا أعطاه فأعطاه القوم ، فقال النبي (ص) : من استن خيرا فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقص من أجورهم ، ومن استن شرا فاستن فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منقص من أوزارهم ، قال : فتلا حذيفة بن اليمان (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ..).
أقول : وفي الدر المنثور ٦ : ٣٢٢ ، أخرجه الحاكم وصححه عن حذيفة عنه (ص) من قوله «من استن ـ إلى ـ وأخرت ..» وهي من المتواتر معنويا.