(كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ)(٩)
إن دافع الغرور ـ الأصيل ـ هو الجهالة ، وأجهل الجهالة هو التكذيب بالدين : بطاعة الله والجزاء عليها ، تكذيبا عقيديا أو عمليا ، فقد تتخذون كرمه تعالى ذريعة إلى اللامبالاة بشأن الطاعة ، وهذا تجاهل عن معنى كرمه ومداه ومورده ، وهذا تكذيب بالجزاء العدل الوفاق يوم الجزاء ، ومن لا يفرق بين المسلمين والمجرمين ليس كريما ، وإنه لئيم ظلوم : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (٣٨ : ٣٦) وذلك في معنى تركه تعالى الإنسان سدى هملا ، رغم كرمه بخلقه وعنايته بهم في البداية ، فكيف يتركهم سدى في النهاية : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٧٥ : ٣٦) (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (٢٣ : ١١٥) (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٣٨ : ٢٧).
فالتمسك بكرمه تعالى في عفوه عن المفسدين المجرمين تكذيب بالدين كل الدين : بالدين العقيدة : أنه تعالى ظلوم يلعب بخلقه ، ويعبث بهم ويتركهم سدى عملا ، وبالدين الجزاء : أنه يسوي بين المجرمين والمسلمين إما جهلا أو ظلما أو خلفا لوعده أو خوفا أو لؤما أو ما إلى ذلك من نكران الحق في الله أو نكران الإله الحق وتكذيبه في واقعه وأقواله ووعوده.
إنه ليس التكذيب بالحياة بعد الموت فقط ، بالذي يغر المغرورين ، إنما التكذيب بالجزاء الوفاق يوم الدين ، والتكذيب بما يتطلبه الجزاء الوفاق من صفات الله الحسنى ، أو التكذيب بالله ووعوده ، كل ذلك يغر الإنسان وكما تغره الرحمة الإلهية اللانهائية والشفاعة والمغفرة ، وأخيرا أنه تعالى ليس بحاجة إلى تعذيب العاصين.
فالتصديق بالإله الحق وصفاته الحسنى ، وبالجزاء الحق ، والعرفان بحدود