إن الرب الكريم يركبنا في صورة من هذه وتلك ، ما شاء من حالة وقوة وما إلى ذلك ، فالصورة هي البنية التي تميل بالتأليف إلى ممايلة الحكاية ، وهي من «صاره» إذا ماله .. فهي تعم صور الخلق والتسوية والتعديل أولا ، وصور الحياة أخيرا.
والتركيب تخليط ، والإنسان خليط منذ البداية إلى النهاية ، فإن نطفته أمشاج : أخلاط (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (٧٦ : ٢).
(ما شاءَ رَكَّبَكَ) تركيب أجزاء الجسم بعضها ببعض ، وتركيبه بالروح كالعكس ، وتركيب أجزاء الروح.
فكيان الإنسان هو مشيئة الله وكرمه ، فما هذا الذي يغره بربه الكريم؟ إن خلق الإنسان في صورته الإنسانية ـ أيا كانت ـ السوية المعدلة الجميلة (١) لمما يفرض عليه كإنسان أن يفكر فيه طويلا فيزداد شكرا لربه الكريم ، فقد كان له أن يركبه في صورة مشوهة وسيرة لئيمة ولكنه ما فعل ، وكما عن الصادق عليه السّلام : «لو شاء ركبك على غير هذه الصورة» (٢).
إن دراسات علم الأعضاء والأجزاء والدراسات المعمقة في بيئات الأرواح ، إنها تعجز أن توصل الإنسان إلى جزء من مليارات الدقائق في خلقه وتسويته وتعديله ، التي ندرسها في طيات الآيات التي توحيها لنا.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥٢٢ ، في أمالى الشيخ الطوسي باسناده إلى أبي جعفر الباقر (ع) إن النبي (ص) قال لعلي (ع) قل : ما أول نعمة أبلاك الله عز وجل وأنعم عليك بها؟ قال : أن خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا ، قال : صدقت ـ إلى قوله ـ فما الثالثة؟ قال : أنشأني فله الحمد في أحسن صورة وأعدل تركيب ، قال : صدقت.
(٢) نور الثقلين ٥ : ٥٢٢.