(فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) .. إنها ليست صورة ركّبنا فيها ربنا بعد الخلق والتسوية والعدل فحسب ، إذ لم يفرّعها على الثلاثة الأول ، فالنص «في» * لا «ففي» * وعلّ الصورة تشمل صورة الحياة بعد الولادة ، فإن المدبّر الحكيم يفيض علينا الصور الحياتية كما نرسمها ويشاء (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) صورة اختيارية لنا.
كما وتشمل الصور الجنينية الجسدانية والعقلية ، التي يفيضها الله تعالى على الجنين دون اختيار من الجنين ، من ذكورة وأنوثة ، وجمال وقبح ، ونقص وكمال ومن مختلف الألوان والبنى والقوى ، ومن عقلية قوية ومتوسطة ودانية ، أو جنون وخبل ومن .. كل ذلك حسب الحكمة العالية ووفق مقتضيات الوراثة جسميا وروحيا (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وقد يركز الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم تفسيره للآية حول اختلاف الصور ، على الوراثة (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٢٣ ، أخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن شاهين وابن قانع والطبراني وابن مردويه من طريق موسى بن علي بن رياح عن أبيه عن جده أن النبي (ص) قال له : ما ولدك؟ قال : يا رسول الله (ص) ما عسى أن يولد لي ، إما غلام وإما جارية ، قال : فمن يشبه؟ قال : يا رسول الله (ص) ما عسى أن يشبه إما أباه وإما أمه ، فقال النبي (ص) عندها : «مه» * لا تقولن هذا ، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر الله كل نسب بينها وبين آدم فركب خلقه في صورة من تلك الصور ، أما قرأت هذه الآية في كتاب الله (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) من نسلك ما بينك وبين آدم.
ورواه مجمع البيان عن الامام الرضا (ع) عن آبائه عن النبي (ص) باختلاف يسير.
وفي الدر أيضا : أخرج الحكيم الترمذي والطبراني وابن مردويه بسند جيد والبيهقي في الأسماء والصفات عن مالك بن حويرث قال : قال رسول الله (ص) : إذا أراد الله أن يخلق النسمة فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعصب منها ، فإذا كان اليوم السابع أحضر الله كل عرق بينه وبين آدم ، ثم قرأ (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ).
وفيه أخرج الحكيم الترمذي عن عبد الله بن بريدة أن رجلا من الأنصار ولدت له امرأته غلاما أسود ، فأخذ بيد امرأته فأتى بها رسول الله (ص) فقالت : والذي بعثك بالحق لقد تزوجني بكرا وما أقعدت مقعده أحدا ، فقال رسول الله (ص) : صدقت إن لك تسعة وتسعين عرقا وله مثل ذلك ، فإذا كان حين الولد اضطربت العروق كلها ليس منها عرق إلا يسأل الله أن يجعل الشبه له.