ليسوا في جحيم خالص ولا نعيم خالصة ، مهما كانت جحيم الخجلة فنعيم العفو والرحمة والشفاعة ، أو جحيم النار غير خالدين فيها أو خالدين غير آبدين ، ثم إلى نعيم مقيم ، فهم بين جحيم ونعيم ، ثم إن مرجعهم لإلى النعيم ، كما كانوا يوم الدنيا بين برّ وفجور ثم ماتوا مؤمنين ولو شيئا مّا ، أو ماتوا فاسقين دون محض الفسق واللامبالاة.
(وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) :
(وَما أَدْراكَ)؟ سؤال تهويل وتجهيل وتجليل : أن حقيقة يوم الدين ليس بالأمر الهيّن الذي يدركه الإنسان إلا بوحي السماء .. فإذ أنت دريت ما يوم الدين ما كان يدريك إيّاه وحي الأرض وعقل الأرض وعلمها .. إنما وحي السماء ليس إلّا ، فالإنسان ـ أيّا كان ـ يجهل يوم الدنيا حقيقتها ، فأحرى به أن يجهل يوم الدين (١).
والدين هو الطاعة ولها يومان ، يوم تطبيقها : يوم الدنيا ، ويوم بروزها بحقيقتها في جزائها وهو يوم الدين ، فيوم الدنيا هو يوم الدين تشريعيا ككل ، وتكوينيا بالاختيار ، ويوم الدين هو يوم الدين تكوينيا دون اختيار ، وإنما جزاء الاختيار وفاقا وعدلا ، أو فضلا.
(ثُمَّ ما أَدْراكَ)؟ علّ الدراية الثانية هي عين اليقين وحقه لما تقوم القيامة ، كما الأولى هي علم اليقين ، وفي كلتا المرحلتين ليست الدراية إلا من رب العالمين ، لكنما الرسول عرف يوم الدين حق المعرفة واليقين قبل القيامة : حيث النص :
__________________
(١) التعبير «ما أَدْراكَ» يختلف عن «ما يُدْرِيكَ» إن الأول سؤال عما تحقق ، عن سببه ، والثاني عما بالإمكان أن يتحقق ، عن سببه وكما يروى عن ابن عباس «كل ما في القرآن من قوله تعالى : ما أدراك ، فقد أدراه ، وكل ما فيه من قوله عز وجل : ما يدريك ، فقد طوي عنه.