(ثُمَّ ما أَدْراكَ) ولم يقل «ثم ما يدريك» أدراه إياه وحي السماء كأنه رآه وأكثر ، وكأن القيامة قامت ، طالما لم يدر وقتها ، فإنما علمها عند الله لا يجليها لوقتها إلا هو.
فهكذا سؤال يوقع في الحس عظمة الموقف وأن الأمر أعظم جدا وأهول من أن يحيط به إدراك البشر المحدود ، فهو فوق كلّ تصور مألوف وكل واقع معروف.
(يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) :
هنا نعرف وندري شيئا مّا من يوم الدين ، وما يختلف به عن يوم الدنيا أنه : يبطل ملك بني الدنيا إلا من تملكه رضا الله فيملكها بإذنه ، فيقف موقف الشفاعة بإذن الله «من أذن له الرحمان ورضي له قولا».
نحن نملك أسبابا يوم الدنيا بما ملّكنا الله إياها ، ولكنها تنقطع يوم الدين : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) (٢ : ١٦٦) .. كما نقوى شيئا ما من القوى يوم الدنيا ابتلاء وتكليفا ثم لا نملك شيئا منها يوم الدين : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (٢ : ١٦٥).
صحيح إننا ما كنا نملك يوم الدنيا شيئا إلا مجازا وتخويلا من شأن التكليف ، ولكننا نفقد المجاز أيضا يوم الدين ، ولا يبقى أمر ولا ملك إلا الله الواحد القهار : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤٠ : ١٦) والملك هذا من الأمر الذي كلّه يومئذ لله.
إنه العجز الكامل والشلل الشامل ، وانفصال بين النفوس وانشغال عنها ، ف (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٨٠ : ٣٧) ولو انشغلت نفس عن نفسها ، واتجهت إلى غيرها ، لم تكن لتفيده وتغنيه ، إذ لا تملك هناك شيئا لنفسها فضلا عمن سواها.