والكتاب هنا وفي أمثاله هو كتاب الأعمال ومسجلاتها الضوئية ، صوتية وصورية ، أن تسجّل في نفوس الفجار وفي أعضائهم وفي الأرض والفضاء كما تدلنا آيات سجلات الأعمال والأقوال ، فإن الكتاب هو المكتوب أي المثبت ، والأشياء الثابتة عن المكلفين ، التي تليق أن تكون حجة لهم أو عليهم يوم الدين ، إنها ليست إلا صور الأعمال وأصوات الأقوال ، وكما يروى عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : «إن الملك يرفع العمل للعبد يرى أن في يديه منه سرورا حتى ينتهي إلى الميقات الذي وصفه الله له فيضع العمل فيه فيناديه الحبار من فوقه : إرم بما معك في سجين ، وسجين : الأرض السابعة ، فيقول الملك ما رفعت إليك إلا حقا فيقول صدقت إرم بما معك في سجين» (١).
وهذه الأعمال الشريرة الفاجرة تجعل من روح الفاجر سجينا كما أنها أيضا سجين ، وهي تدخل سجين ، وعلى حد قول باقر العلوم عليه السّلام : «وأما الكافر فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ السماء نادى مناد اهبطوا به إلى سجين ..» (٢).
والسجين مبالغة في السجن ، وكتاب الفجار بأنفسهم وأعمالهم لفي سجين ، سجين لا يظهر تماما يوم الدنيا ، وهو يبرز تماما يوم الدين.
(كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) : ليس كما يزعمه المطففون والمجرمون كل المجرمين أنهم متحللون عن أعمالهم وعقباتها ، فلا حساب ولا جزاء ، وأنهم أحرار يوم الدنيا وأحرار كذلك يوم الدين ، لو كان هناك حساب أو لم يكن .. إنهم يزعمونهم أحرارا وليسوا إلا في سجين ، فأرواحهم سجون الفضائل
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٢٥ ، أخرجه ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : حدثني رسول الله (ص) ...
(٢) نور الثقلين ٥ : ٥٣٠ نقلا عن مجمع البيان.