والمعطيات الربانية ، تسجنها وتدفنها ، وأعمالهم سجون لهم ولمجتمعهم ، هؤلاء المطففون وأمثالهم البخلاء الذين يحصرون ويسجنون كل شيء لهم ولشهواتهم ، ولا يسمحون لأحد حرية إلا ويحددونها ، ولا ثروة إلا ويستغلونها ، ولا وجاهة إلا ويستقلونها .. فيحسبون أنفسهم كل شيء ، ولا يعتبرون غيرهم إلا خداما لهم ولكي يستعمروهم ويستثمروهم ويستحمروهم ..
فهؤلاء الفجار البخلاء الذين ليس كيانهم في المجتمع إلا أنهم سجون للناس وهم أحرار في استغلالهم ، ويحسبونهم أنهم يحسنون صنعا.
هؤلاء هم السجين ، أنفسهم ، نفوسهم وأعمالهم ، إنهم أولا وأخيرا سجّين وفي سجّين.
(وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ) :
هنا تبرق حقيقة ـ كانت خفية ـ هي أن السجين ـ وفي القيامة ـ هو كتاب مرقوم ، وهو الخط الغليظ ، إنه ليس كتابا مخطوطا بالمداد لكي تكون دلالته غير ظاهرة وقابلة للتأويل أو التكذيب ، وإنما (كِتابٌ مَرْقُومٌ) مكتوب بخط غليظ ، بقلم القدرة والنور ، حيث تكتب وتسجل صور الأعمال وأصوات الأقوال في نفوس المجرمين وأعضائهم وسواها.
فلو كان الكتاب السجين مخطوطا بالمداد فما هي الحاجة لتوصيفه بالمرقوم؟ فكل كتاب من شأنه أن يحمل ـ ولا أقل ـ خطوطا! .. ثم كيف يكون كتاب الفجّار في كتاب مرقوم ، فهل كتاب في كتاب؟.
فإنما السجين ، وهو سجين الجحيم ومن أسجن ما فيه من السجون ، إنه ليس إلّا نفس النفوس والأعمال ، فإنها الكتاب المرقوم ، الظاهر الذي لا يمكن إنكاره.
فكتاب الفجار ، وهو الاضبارات والمسجلات لأعمالهم الفاجرة ، هذا الكتاب