إن أعمال الفجار لفي سجين إلهي ، محفوظ ثابت ، والسجين هو الكتاب المرقوم ، ظاهر بذوات الأعمال والأقوال.
فيا لهذا الكتاب المرقوم من جلاء وظهور ، مرقوم بخطه الذاتي إذ كتب : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٥ : ٢٩) .. يا له (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) (١٨ : ٤٩) .. فهكذا رقم أوّلا.
ثم يتحول رقمه هذا ـ الظاهر ـ إلى رقمه الملكوتي الحقيقي ، تحوّل الأعمال إلى نتائجها ، جزاء ذاتي بنفس الأعمال ، دون أن يكون جزاء قانونيا فقط ، إنما جزاء تكويني : أن تتحول الأعمال إلى نتائجها (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٥٣ : ٤٢) يجزى الساعي نفس سعيه ، الجزاء الأوفى ، جزاء وفاقا في السيئات وجزاء كريما في الحسنات.
فالإنسان نفسه كتاب ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) :
وا حسرتاه في ذلك اليوم العصيب إذ برزت كتب الفجار بأرقامها ، للمكذبين يوم الدين ، أفهل يكذبون أيضا بما عملوه يوم الدنيا حيث يظهر مرقوما يوم الدين؟
(وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) :
فإنما الاعتداء والإثم هما القائدان صاحبهما إلى التكذيب بيوم الدين ، فالفطرة السليمة لا تكذّب ، والعقل لا يكذب ، وواقع الحياة لا يكذب ، وإنما المعتدي الأثيم يكذب به ، ولكيلا يرى أمامه عقبة كئودة ، يكذب بالجزاء العدل الوفاق