ف «عليون الأبرار» هو كتاب مرقوم يشهده المقربون ، شهودا يوم الدنيا وشهود ، يوم الدين ، فشهادتهم في الأولى شهادة تلقّ ، وفي الآخرة شهادة إلقاء يوم يقوم الأشهاد ، والكتاب المرقوم هنا ـ كما في كتاب الأشرار ـ هو الأعمال التي ترقم بصورها وأضوائها وعلى حدّ قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب مرقوم في عليين (١).
الطينة العليينية والسجينية :
قد يشمل عليّون الأبرار طيناتهم كما السجين طينات الأشرار ، كما في أحاديث عدّة ، ولكن هل يا ترى أن الله يخلق الأبرار ـ حين يخلق ـ أبرارا ، والأشرار أشرارا؟ فما هذا إلا تسييرا في البر والشر ينافي التخيير ، اللهم إلا أن يعنى من الطينة الروحانية منها ، الحاصلة من الأعمال الصالحة للأبرار ، والطالحة للأشرار ، على توفيق من الله للأبرار نتيجة برهم ، وختم على قلوب الأشرار نتيجة شرهم ، ولذلك نرى باقر العلوم عليه السّلام يقول : «إن الله خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا وخلق أبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا» ثم يقرأ الآية (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ..)(٢) ،
وعن الإمام الصادق عليه السّلام قوله : «إن الله تبارك وتعالى خلقنا من نور مبتدع من نور سنخ ذلك النور في طينة من أعلى عليين» اه (٣).
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) :
وهو عليّون الجنة بعليين الأعمال ، وتنكير «نعيم» * هنا يوحي إلى تفخيمه ، فكما هم كانوا أبرارا : متوسعين في الخير ، فليكن نعيمهم واسعا ، ثم وأوسع
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٢٧ أخرج ابن مردويه عن أبي إمامة قال : قال رسول الله (ص) :
(٢) نور الثقلين ٥ : ٥٣٣ ح ٣١ الكافي بالإسناد إلى أبي حمزة الثمالي عنه (ع).
(٣) المصدر ح ٣٢ علل الشرائع بإسناده عن زيد الشحام عنه (ع).