(يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) (٥٢ : ٢٣) وخمر الدنيا فيها كل لغو وكل تأثيم (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) (٢ : ٢١٩) والإثم ما يبطئ عن الخيرات ، فخمر الدنيا تبطئ عن الخيرات ، وخمر الآخرة تعجل له الخيرات وتفتح له أبوابها.
ولقد وصفت الرحيق بصفات عدة تميّزها عن خمر الدنيا ولحدّ عبّر عنها بالرحيق كما في سواها من آياتها الواصفة لها في الجنة ، اللهم إلا واحدة تقرنها بما يخرجها عن شرها (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) (٤٧ : ١٥).
(يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (٣٧ : ٤٥ ـ ٤٧) «بيضاء» * وليست خمر الدنيا بيضاء ، «لذة» * وليست هي لذة وإنما مرة تعقّب لذة خيالية نتيجة التحلّل عن العقل (لا فِيها غَوْلٌ) وهو إهلاك الشيء من حيث لا يحسّ ، وخمر الدنيا تهلك العقل والجسم من حيث لا يحس ، (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) لا ينزعون عن عقولهم ولا يفرغون (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) (٥٦ : ١٨ ـ ١٩) لا فيها صداع الرأس ولا فراغ العقل ونزفه.
فأين الخمر التي هي بيضاء لذة للشاربين لا غول فيها ولا لغو ولا تأثيم ولا صداع ولا نزف وهي صاخبة خالصة من كل غش ، أين هي من خمر الدنيا : حمراء نقمة للشاربين ، فيها كل غول وكل لغو وتأثيم ، وكلها صداع ونزف وهي شائبة مغشوشة؟
نجد بينهما بونا شاسعا لحد يحق تفريقهما في الاسم أيضا ، ولذلك لا تسمى خمرا إلا في آية واحدة ولتوحي أن في خمر الآخرة ما في خمر الدنيا من لذتها ـ إن كانت لها لذة ـ وزيادة فوق الوصف ، دون أن تحمل إثمها وغولها ونزفها وشرها وضرها!
وهذه الخمرة الطيبة إنما يشربها من ترك خمرة الدنيا الخبيثة وكما في وصية