خلاف خمر الدنيا إذ هي عفنة بدايتها ، وشريرة نتن ختامها ، لا تأتي إلا بكل شرّ ورذيلة.
ففي مسك الخمرة وختمها بالمسك ، فيه إناقة ورفاهية ، صورة لا يدركها البشر إلا في حدود المعهود من الدنيا.
(وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) :
من المفروض أن يتنافس العقلاء في الختام المسك عاجلا وآجلا ، لا في الشهوات العاجلة الفانية النتنة ، فليتنافسوا في عليين وفي النعيم المقيم ، وفي نضرة النعيم ، وفي رحيق مختوم بالمسك ، وكلّ نعيم الجنة مسك.
فالتنافس هو تمنّي كل نفس مثل النفيس الذي يكون لغيره ، ولا نفيس في الدنيا إلا ما يقدّم للأخرى ، فإنما الأولى بئيسة تعيسة إلّا ما حوّل منها إلى مزرعة الآخرة ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
إن التنافس في نعيم الآخرة يرتفع بأرواح متنافسيها جميعا ، بينما التنافس في أمر الدنيا ينحط بها جميعا ، إلا أن يكون لدنيا الآخرة ، فدنيا المتقين آخرة ، ولأنها مزرعة الآخرة ، لا يبصرون إليها فتعميهم ، وإنما يبصرون بها فتبصّرهم وتقربهم إلى الله زلفى.
فعلى المؤمن التنافس في ذلك ، تاركا تنافسات الهوى والردى ، وإنه توجيه يمد بأبصار أهل الأرض وقلوبهم وراء رقعة الأرض الصغيرة الزهيدة ، بينما هم يعمّرونها ويقومون بالخلافة فيها ، عمران المدرسة للدراسة ، لا المستنقع الآسن والطويلة العالفة لحيونة الحياة والإخلاد إلى أرضها وسجينها.
(وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ. عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) :
إن لهذا الرحيق مزاج من تسنيم : عين المقربين ، ولأنه يقرب شاربيه إلى الله ، فإنه خمرة تخمر عن العقول ظلمها ، وتزيد الإنسان معرفة وسكرة بالله.