وإذا كان واقع الكدح إلى لقاء نتاجه وإلى لقاء الله ، فالحريّ بمن يحترم عقله أن يتقصد هذين اللقائين ويعمل لهما ، دون أن يتجاهلهما ، كما الكثيرون من من الكادحين يتجاهلون ، كأنهم موقنون ألا لقاء هنا وهناك.
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ) : متعب نفسك (إِلى رَبِّكَ) الذي رباك كيف تكدح تكوينيا وتشريعيا «فملاقيه» : ملاقي كدحك وملاقي ربك ، فلتكن عاقلا في كدحك لكي يكون اللقاء مشرّفا سعيدا يوم الدنيا ويوم الدين في اللقائين.
الكدح الصالح ـ نفسيا وجسدانيا ـ ينتج لقاء صالحا في الدنيا ، معرفيا عن النفسي منهما ، وحيويا معيشيا عن الآخر .. وينتج ـ وبالأحرى ـ لقاء صالحا وأصلح يوم الآخرة : إذ تلاقي ربك لقاء المعرفة العالية ، ولقاء الزلفى والرضوان ، نتيجة الكدح في سبيل الله ، وتلاقي عملك كذلك : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ..) فاستعدّ ليوم اللقاء ولأيام اللقاء ، ولتعمل عملا صالحا ولا تشرك بعبادة ربك أحدا.
إن الإنسان ـ كائنا من كان ـ إنما يعيش بعمله ، عيشة الإنسان أم عيشة الحيوان ، فليكن إنسانا كما ربّاه ربه ، وليستعد للقاء ربّه بعمله.
شريعة الكادحين :
إن شريعة القرآن وسواهن شرائع إلهية غير محرفة ، إنها شريعة الكدح إلى الله في كافة النشاطات والمجالات ، ولا ترضى لأحد حياة الأريحية ، وأن يجعل كلّه على غيره ، ف «ملعون ملعون من ألقى كله على الناس».
فبإمكان الإنسان أن يعيش الكدح إلى الله حياته في كافة الحقول : عبادية وسياسية واقتصادية وثقافية وحربية ، وأضرابها من حقول الحياة التي تتطلب ـ كلّ حسبها ـ أتعابا فكرية وعضلانية وسواها ؛ فتصبح أعماله وأفكاره