(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. وَيَصْلى سَعِيراً) :
هؤلاء هم الذين جعلوا كتاب الشريعة وراءهم ظهريا ، مستدبرين إياه حياتهم ، ومستقبلين الشهوات حياتهم ، تبنوا الحياة كحيوان ، ولم يفكروا في حياتهم كإنسان ، فلقد عموا عن رؤية آيات الله ، وصمّوا عن سماع كلمات الله ، وبذلك تؤتاهم كتبهم وراء ظهورهم فلا يقرءونها ولأنهم أعمون : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (١٧ : ٧٢) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) (٢٠ : ١٢٦) ، وعل وراء الظهر إشارة ـ أيضا ـ إلى طمس وجوههم وردها على ادبارها : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) (٤ : ٤٧) أو علهم فرق شتى : بين عمي لا يبصرون ، ومن ردت وجوههم على ادبارهم ، ومن يجمع لهم الأمران ، أو أنهم يؤتون كتابهم بشمالهم من وراء ظهورهم ، كلّ محتمل تشملها الآية.
هذا ـ وإن كان البعض من أصحاب الشمال أيضا يصلون الجحيم مع أصحاب الوراء ، وعلهم من الذين يخرجون عن النار قبل فنائها ، وأنهم كانوا هم المساعدين الأول لرءوس الضلالة : (.. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ. يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ... خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) (٦٩ : ٢٩).
هذا التعيس البئيس الذي قضى حياته كدحا إلى الوراء ، رغم كدحه إلى الأمام : إلى ربه ، شاء أو أبى .. وهذا الأعمى الذي استقبل حيوانية الحياة الهابطة إلى دركات اللذات ، واستدبر الحياة العليا .. هذا هو الذي يدعو بالويل والهلاك.