إن السرائر المكنونة والمطوية سوف تبلى ، تخرج عن ظلمات الأسرار بطوارق الأشهاد ، بإرادة الله ، وكما ينفذ الطارق من خلال الظلام الساتر ، وكما ينفذ الحافظ إلى المحجوبة بالسواتر ، كذلك تبلى السرائر يوم يتجرد الإنسان من كل قوة وكل ناصر :
(فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) : فلا هناك له قوة ذاتية تدافع عنه ، ولا ناصر عرضي يناصره ، فيا له من ضعف مضاعف حين تتكشف أسراره في نهاية المطاف ، وعند انقطاع الأعمال والآمال!
(وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ)(١) :
إن الكائنات كلها رجعيات ، ترجع إلى ما كانت ، وترجع أماناتها كما أخذت : فالسماء سوف ترجع دخانا كما كانت : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) وهي ترجع أماناتها إلى الأرض دوما : من أبخرة المياه الصاعدة إليها ، إذ تتحول ثلوجا ومياها ، ثم توزع في أكناف الأرض حقا وعدلا ، هذه السماء لا تتأبى عن رجوعها لقيامتها ، ولا عن رجعها أماناتها ، على عظمتها وسعتها! فهل إن هذا الإنسان الصغير الصغير يتأبى عن رجعه؟ أو يقدر أن يخبئ أعماله وأفكاره في نفسه وفي الأشهاد؟!
(وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) :
تتصدع لقيامتها ، وتنصدع عن مواليدها ، كأم تلد مواليدها بنطف المياه السماوية : ماء دافق يخرج من صلب السماء ، وبالبذور المخبئة في ترائب الأرض ، فتلد مواليد النباتات ، ومن ثمّ الحيوانات.
أفلا تدل السماء برجعها ، والأرض بصدعها ، والطارق بثقبها ، على إمكانية
__________________
(١) الرجع استعمل لازما ومتعديا «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ» «لئن رجعك الله إلى طائفة» وهما المقصودان هنا معا.