رجع الإنسان شاء أم أبى ، وعدل الله ورحمته يفرضان هذا الرجع ، ولتجزى كلّ نفس بما تسعى!
ثم قسما بسماء الرسالات الإلهية ، التي ترجع أمانات الوحي إلى أصحابها ، وقسما بأراضي القلوب المتصدعة بآيات الوحي النازلة لها :
(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) :
الهزل هو كل كلام لا تحصيل فيه تشبيها بالهزال ، فللقرآن تحصيل قولا ومصداقا ، فهو فصل مقالة وخبرا ، يفصل بين الغث والسمين والخائن والأمين ، فهو مقالة يدل بحكمته على أنه كلام الله جدا ، وليس هزلا ، وهو خبرا ـ ومن بين أخباره ـ خبر صدق : أن الإنسان سوف يرجع لفصل القضاء ، كما السماء والأرض راجعتان ، فالكائنات كلها راجعة إلى ربها ، مؤدية أماناتها! فليكيدوا ـ إذن ـ كيدهم ، فما ذا يؤثر كيدهم ، فما كيد الكافرين إلا في ثياب :
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً. وَأَكِيدُ كَيْداً. فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) :
كيد بكيد ، جزاء وفاقا ، وأين كيد من كيد؟ فهم يكيدون جهالا عجزة خونة ، يظنونهم ألّا حراسة عليهم ولا حول ولا قوة! والله يكيد بتسجيل أعمالهم ، وإملائهم (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٧ : ١٨٣) ، وبالختم على قلوبهم ، وعدم تأييدهم للخير إذ تركوه عمدا ، وعدم الفصل بينهم وبين شرّهم إذ اقترفوه عمدا ، ثم يفاجئهم يوم تقوم الأشهاد بالأشهاد ، فما له من قوة ولا ناصر! (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) (٥٢ : ٤٢).
فأنا «الله» * إذ أمهلهم ، ليس عن عجز وقصور ، أو جهل وفتور : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣ : ١٧٨) (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ. إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) .. أنا أمهلهم هكذا ، فأنت أيضا :