وعلّ الأعلى هنا تعني ـ فيما تعنيه ـ أعلى درجات الربوبية في تربية الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم لمكان «ربك» * لا «رب العالمين» وكما الإنسان ـ ككل ـ احتل بين الخلق أحسن الخلق : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فلا خالق سواه ، وإنما جمع الخالقين ـ علّه ـ يعني خالقياته تعالى ، فكذلك (رَبِّكَ الْأَعْلَى) : أعلى الربوبيات.
ونستوحي من هنا : لماذا كان الرسول عليه السّلام يحب هذه السورة (١)؟ فحقّ له أن يحبّها وهي تتضمن تسبيح ربه الأعلى ، وهي تختصه صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكانة مرموقة من التربية الإلهية هي الأعلى بين ملاء العالمين من الملائكة والجنة والناس أجمعين!
فليسبح ـ إذن ـ اسمه تعالى أيا كان ، وهو صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضا اسمه ، وأعظم أسمائه العينية ، فلينزّه تربيته الرسالية وقبلها ، عما لا يليق بالرسالة العليا ، وليعرف أنه أوتي ما لم يؤت أحد من العالمين ، وليعلم مع ذلك أنه لا يملك شيئا : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) (١٧ : ٨٧).
(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) :
سبح اسمه كرب العالمين ، ومن ربوبيته الخلق والتسوية والتقدير والهداية : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٢٠ : ٥٠) هداية عامة : من تكوينية لا عن شعور للمهتدي ، أم غريزية ، أم فطرية ، أم فكرية عقلانية اختيارية ، ومن تشريعية ، ثم وتكوينية بعد تطبيق الشريعة : «ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥٢٣ عن علي (ع) قال : كان رسول الله (ص) يحب هذه السورة.