فالنازل على السمع قريب إلى النسيان ، ثم بعيد عنه إذا نزل إلى القلب ، ثم مستحيل إذا ضمن الله تعالى عدم النسيان ، وهكذا استمر وحي القرآن على قلب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم دون أن ينسى ولا حرفا منه أو نقطة!.
(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : سنقرئك من القرآن ما يحمل كل شيء ، إلا ما شاء الله اختصاصه بذاته المقدسة من علوم الغيب (١) ، فقد استقصى الله في القرآن ما كان وما يكون وما هو كائن ، وقصّه للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يستثن إلا ما شاء الله اختصاصه بنفسه المقدسة ، فآية الإنساء ـ إذا ـ من آيات أن محمدا لم ينس ما أقرأه ربّه!.
(فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : واحتمال ثان أن يكون الاستثناء بالمشيئة عن (فَلا تَنْسى) : لا تستطيع دوافع النسيان وعوامله أن تنسيك شيئا من القرآن على وجه الإطلاق ، فإن الله غالب على أمره ، ولئن كان هناك عامل ـ ولن يكون ـ فلتكن مشيئة الله ، ولا يعني هذا الاستثناء أن الله ينسيه شيئا مما أقرأه ، فإنه أسوء العسرى بعد إذ وعده باليسرى : (فَلا تَنْسى)! .. وإذا كان هنا موقع للنسيان ، فما هو موقع التعليل؟ : ـ
(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى)؟ فهل هو إلا تأكيدا لعدم النسيان ، فما النسيان إلا من ضعف الإنسان ، وقد جبر بالإرادة الإلهية : (فَلا تَنْسى) أو من الجهل بعوامل النسيان ظاهره وخافيه ، ف : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) أو بدافع الضغط على النبي في نسيان القرآن ، فلما ذا ـ إذن ـ بشّره : (فَلا تَنْسى)؟ ولماذا وعده دون فصل :
(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) :
ولماذا ينسيه ما يأمره بتذكيره؟ :
__________________
(١) هذا إذا كان المستثنى منه هو الأقراء ، ولأنه أصل الكلام ، وحينئذ لا مجال لشطحات المبشرين ، مزمرين ومطبلين أنه (ص) نسي شيئا من القرآن.