إنها آية متشابهة ترد إلى محكماتها ك : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٤٢ : ١١) (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (٢٠ : ١١٠) : ما تصرح أن لا انتقال له مكانا ولا زمانا ولا حيطة ولا علما ولا قدرة ، فإنها من صفات المخلوقين.
ثم هي تفسّر بنفسها لمن هو أعمق في النظر ، وعلى حد قول الإمام الرضا عليه السّلام : «المتشابه ما اشتبه علمه على جاهله» وأما عالمه فلا يشتبه :
فإن الفعل ـ أيّ فعل ـ من أقرب القرائن للمعني من فاعله ، كما الفاعل ـ أي فاعل ـ قرينة على المعني من فعله ، فإذا نسب المجيء إلى من يطير أو يمشي ، فهو المعني منه ، وإذا نسب إلى ما لا يطير أو يمشي قطعا للمسافات ، فالمعني كما يناسبه ، ك «جاءت فكرة صديقي إلي وذهبت فكرتي إليه» : فهذا انتقال غير مكاني ، وفيما إذا نسب إلى المجرد عن هذا وذاك ، لتجرد ذاته ، وعدم انتقال ـ أو تكامل ـ صفاته ، إذا يجرّد مجيئه عما يناسب المخلوقين إلى ما يناسب ساحة الربوبية ، كمجيء أمره بالحساب والجزاء ، فلقد كان هذا الأمر شأنيا موعودا يوم الدنيا ، ثم يتحقق يوم الجزاء ، وهذا هو مجيء الرب ، لا بذاته ، ولا بعلمه وقدرته ، إنما بربوبيته ، فهو ربّ يوم الجزاء ، كما كان ربا يوم الدنيا ، إلا أن ربوبيته يوم الجزاء هي الجزاء ، وفي يوم الدنيا هي التدبير والتكليف ، فانتقال شأن الربوبية من وعد الجزاء إلى واقع الجزاء ، يعبّر عنه بمجيء الرب ..
وكما الآيات توحي : (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٠ : ٧٨) (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) (١٦ : ٣٣) ، فإتيان الرب الإله بأمره هو المعني هنا وهناك ، وإتيانه بذاته ليس إلا اقتراح المشركين وانتظارهم: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً