(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ)(١) :
هذا البلد هو مكة المكرمة ، البلد الحرام الآمن ، حسب الشرع والتكوين الإلهي ، أكثر من سواه ، ورغم مكانته الروحية لا يقسم الله به هنا ، وعلّه فقد حرمته بما استحل أهلوه حرمة الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(وَأَنْتَ حِلٌّ) : حلال ـ بهذا البلد (٢) ، وإنما حرمته لأنه البلد الحرام الآمن ، مطاف الموحدين ، ومحرم الرسالة القدسية المحمدية ، فإذا أصبح مطاف المشركين ، ومزار الأوثان ، والرسول حلال فيه : ماله ودمه ، أرضه وعرضه ، إذا لا أقسم به ولا أحترمه ، في حين أقسم به لأنه بلد أمين : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٩٥ : ٣) أقسم ولا أقسم من جهتين ، دون تنافر بينهما ولا تناحر.
أو : لا أقسم به ، تعظيما له فوق العادة ، لا لأنه البيت الحرام ، إنما لأنك حلّ : حال ـ بهذا البلد (٣). فقد كان المشركون يحترمون البيت لحدّ اللاقسم ـ احتراما ـ أو القسم كذلك ، ثم يهتكون حرمتك ، وأنت الأصل في حرمته ، فأنا لا أقسم احتراما لهذا البلد لأنك حلّ : حال ـ بهذا البلد ، ولا أقسم هتكا له لأنك حلّ : حلال فيه مهتوك. فأنت أنت الحرمة كل الحرمة
__________________
(١) لا أقسم هنا كما في أشباهه ، لنفي القسم ، وعدم إعادة (لا) في والد وما ولد ـ وهو قسم ـ فيه دلالة زائدة على نفي القسم.
(٢) عن الصادق (ع) في تفسير الآية : «وأنت حلال منتهك الحرمة ، مستباح العرض لا تحترم ، فلا يبقى للبلد حرمته حيث هتكت.
أقول : وفي معناه روايات متضافرة تفسر الحل بالحلال ، ولا أقسم ، بنفي القسم.
(٣) يبعد معنى الحال للحل ـ لو عني بخصوصه ـ ، فان الحال هو النازل في مكان ، والرسول ما نزل مكة ، وإنما كانت مولده وموطنه ، وان الحلول يعبر عنه بما هو أخصر ، ك (وأنت في هذا البلد).