(أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ. يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً ، أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) :
واللّبد هو المال الكثير الذي قد تراكب بعضه على بعض ، من لبد الأسد ، وكما تتلبد طرائق الشعر وسبائخ القطن ، أو بمعنى اللزام الدائب ، كأنه من كثرته لا يزول.
فقد يتمنع من الإيمان ، ولأنه أهلك ماله اللّبد في الصدّ عن الإيمان ، وعلى حدّ ما يروى عن علي عليه السّلام بشأن عمرو بن عبدود (١) ، أو مؤمن يمنّ على الله أنه أنفق مالا غزيرا في سبيله ، والإنفاق الحق بلا حساب هو من العقبات التي على المؤمن اقتحامها ولكي يعقّب راحة طويلة.
أيحسب هذا المتفاخر المتكاثر : (أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) إذ أعطى ما أعطى ومنع ما منع ، وصدّ ما صدّ ، بلى إن ربه كان به خبيرا ، بصيرا به وقادرا عليه.
(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) :
عينان ، علّهما البصر والبصيرة ، فبعين البصر يبصر الآفاق فيحوّل نتائجها إلى منظار البصيرة ، أو هما عينان ظاهران ، وآخران سواهما : عين العقل والفطرة ، وهذا قياس الشفتين ، وبهذه الأجهزة الأنيقة : (هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) :
__________________
(١) نور الثقلين عن الباقر (ع) في : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) قال : هو عمرو بن عبدود حين عرض عليه علي بن أبي طالب (ع) الإسلام يوم الخندق ، وقال : فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا ، وكان أنفق مالا في الصد عن سبيل الله ، فقتله علي (ع): «أيحسب أن لم يره أحد ـ قال : في فساد كان في نفسه ..».