كبدا للزوجين رغم اللذة حاله ، ثم الخلية الأولى لا تستقر في الرحم إلا بمكابدتها لخلق ظروف ملائمة لحياتها وغذائها ، ولا تزال تمارس كبدها في منازلها حتى تنتهي إلى المخرج فتذوق من المخاض ما تذوقه أمها ، وقد تصل لحد الاختناق في مخرجها من مكابد الرحم إلى مكابد الدنيا ، ثم الكبد لزام الولد بينه وبين الموت ، وبعده الراحة لمن كابد في سبيل الله ، والعاهة لمن كابد في سبيل اللهو.
والكبد هو العظم ـ أيضا ـ فكبد كل شيء عظم وسطه وغلظه ، فالإنسان ـ إذا ـ مخلوق وسط الخلق وكبده عظيما غليظا ، فهو مجبول على شعور العظمة والكبرياء (١) ، كما هو مخلوق في كبد المشقة ، كبد على كبد ، فكلما كانت العظمة أكثر فالمكابدة على قياسها أكثر.
هذا ـ ومع أنه مخلوق من ضعف : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) (٣٠ : ٥٤) : من مني يمنى حالة الضعف ، وعلى ضعف : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٤ : ٢٨) ، فهو حكيم الخلق وعظيمه بين الخلق ، وهو ضعيف تجاه التقادير الإلهية ، مهما كان عظيم الخلق!
وقد ينسى الإنسان أو يتناسى كبد المشقة والضعف ، ويعيش كبد العظمة والترف ، فيضل عن واقعه ، فيحسب أن لن يقدر عليه أحد ، وأنه يتغلب المقادير بما له اللّبد :
__________________
(١). ومن هذا الكبد انتصاب قامته بخلاف سائر الحيوان ، كما عن حماد بن عثمان قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : إنا نرى الدواب في بطون أمهاتها أيديها الرقعتين مثل الكي فمن أي شيء ذلك؟ فقال : ذلك موضع منخريه في بطن أمه ، وابن آدم منتصب في بطن أمه ، وذلك قول الله عز وجل : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) وما سوى ابن آدم فرأسه في دبره ويداه بين يديه (نور الثقلين ٥ : ٥٨٠).