وليؤخذ مثالا لتدسيس النفس قصة ثمود ، في تكذيبها وطغواها والدمدمة الإلهية التي دمرتهم.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَلا يَخافُ عُقْباها) :
طغوى في قولهم «فكذبوه» * وعمليا (فَعَقَرُوها) والخيبة التي لحقتهم من هذه الطغوى هي الدمدمة الربانية : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ..) (١١ : ٦٨) «إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فكانوا كهشيم المحتضر» (٥٤ : ٣١) وهذه هي الدمدمة ، فجرس اللفظ يوحي بجرس المعنى الواقع.
إن عاقر الناقة كان واحدا هو المنبعث فيهم : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) وصاحبهم الذي نادوه لهذه الجريمة : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) (٥٤ : ٢٩) : أخذ عنهم سيفهم ونحر ، فرغم أنه وحده كان العاقر الناحر ، ينسب العقر إليهم أجمع.
(فَعَقَرُوها)(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) (٧ : ٧٧) (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) (١١ : ٦٥) (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) (٢٦ : ١٥٧).
فلما ذا ينسب العقر إليهم وهم منه براء؟ لأنهم نادوه ، وأعطوه سيفهم ، وبعثوه للجريمة ، فأشركهم الله فيها وعذبهم بها ، وصاحبهم أشدهم عذابا وأنكى ،