أيضا من شؤونها ، فقد ألهمت النفس الروح فجورها : «النفس الأمارة» وتقواها (اللوامة والمطمئنة ـ العقل).
فهنا النفس بين تزكية وتدسيس ، ففلاح أو خيبة ، ورغم أن فجورها أقرب إليها من تقواها ، وكما توحي إليه آيتها : (فُجُورَها وَتَقْواها) : قربا جسدانيا حيوانيا ، ولكنما العقل ـ وهو الحيوية الإنسانية ـ إنه أقرب إليها كإنسان ، وإن معركة العقل والنفس لهي من العقبات التي لزام الإنسان أن يجتازها فائرا عاقلا ، لا فاشلا جاهلا.
وواقع الفلاح والإصلاح ليس إلا بتزكيتها ، مستجيرا بالله ، وعلى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وزكها أنت خير من زكاها» (١).
والمزكي الأول للنفس هو المحاول لأن يتزكى ، ثم الله يؤيده في تزكيها : (مَنْ زَكَّاها) : زكى نفسه ، فزكاها ربه ، وكذلك التدسيس على سواء ، وهو من الله الختم وسلب التوفيق ، وكما عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (٢).
والتزكية هي الإنماء ، والتدسيس هو الإدغال وإدخال شيء في شيء بضرب الاحتيال ، فتزويد النفس بتقواها هو تزكيتها ، وإدغالها هو تدسيسها ، وكلاهما من الإنسان ، ثم من الله كما يناسب عدله وفضله.
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٥٦ عن ابن عباس وزيد بن أرقم وأنس وأبو هريرة قالوا : كان رسول الله (ص) إذا تلا هذه الآية (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) يقول : ..
(٢) الدر المنثور ٦ : ٣٥٧ عن ابن عباس سمعت رسول الله (ص) يقول : قد أفلح من زكاها : أفلحت نفس زكاها الله ، وخابت نفس خيبها الله من كل خير.
أقول : فالضمير في «زكاها ودساها» راجع إلى النفس وإلى الله ، من زكاها هو ـ من زكاها الله.