(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى. لا يَصْلاها) : لا يوقدها (إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) فله صليها وإيقادها ، وللشقي وردها والاتقاد بها ، فإنهما ليسا على سواء ، فالمتبوع هو الجحيم بذاته ، والتابع يحرق بجحيمه.
(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) :
لا يقرب إليها عذابا لأنه الأتقى : (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) : ماله ، وما ـ له «يتزكى» * فحياته كلها إيتاء وعطاء في سبيل الله ، فحق له أن يجنبها ، ولكنما التقي غير الأتقى ، الذي اقترف ما ينافي التقوى أحيانا ، إنه قد يمسه العذاب تخليصا له عن الدرن ، عذاب الدنيا ، ثم البرزخ ، ثم القيامة ، ثم مصيره إلى الجنة ، فعذاب غير الأتقى درجات ، بقدر ما خالف التقى.
إذا ، فالآيات هنا تقسيم ثنائي إلى من محّض الإيمان محضا : «الأتقى» ومن محض الكفر محضا : «الأشقى» * وبينهما درجات بين الجنة والنار ، ومصيرهم الجنة أخيرا ، وعلى حدّ قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : «كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شرد البعير على أهله».
هذا الأتقى يؤتي ماله دون ابتغاء جزاء ممن آتاه ، أو شكور ، فليس لأحد عنده من يد أو نعمة يجزى بها : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) فليس عطاؤه وإيتاؤه ابتغاء شيء من مال الدنيا ومنالها : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى).
ثم الله هو الذي يرضيه بما يجزيه : (وَلَسَوْفَ يَرْضى) : يرضى بواقع الرضا يوم الجزاء ، بعد ما كان راضيا عن ربه أمل الواقع يوم الدنيا.